في سجون لبنان حكايات لا تنتهي عن سجناء، موقوفين كانوا أم محكومين، يموتون تحت ستار الصمت من دون تحقيقات واضحة بسبب مرض عضال أو سكتة دماغية أو قلبية. هكذا يكون التبرير وفق البيانات الرسمية ليُقفل من بعدها التحقيق "لا مين شاف ولا مين دري"، مع تسجيل ارتفاع ملحوظ في حالات الانتحار خصوصاً لدى القاصرين الموقوفين بجنح أو جنايات مختلفة وهم على ذمة التحقيق.
ففي مخفر المصنع، أقدم قاصر يبلغ من العمر 14 عاماً على ربط عنقه بواسطة جوارب بنافذة النظارة داخل المخفر لكن سرعان ما تنبّه عناصر المخفر فقاموا على الفور بفك عنقه عن النافذة وحضرت عناصر الصليب الأحمر وقدمت له الإسعافات اللازمة.
العناية الالهية أنقذت ذلك الفتى في اللحظات الأخيرة في مخفر المصنع، لكن النهاية لم تكن كذلك مع القاصر "م.أ" البالغ من العمر 15 عاماً (سوري الجنسية) الذي أقدم على الانتحار بحبل من الشراشف داخل حمام مركز الوروار لتأهيل الأحداث في منطقة الشويفات، والفتى كان موقوفاً منذ أربعة أشهر بتهمة سرقة كابلات كهربائية، وقد تم نقله من سجن رومية الى مركز الوروار الذي افتُتح في أيار الماضي، وهو يتسع لنحو مئة موقوف بهدف تأهيل الأحداث المخالفين للقانون بدلاً من حصرهم في السجون وتوفير بيئة آمنة لهم تحترم حقوق الإنسان وفقاً لمعايير الأمم المتحدة.
المركز تم تطويره بالشراكة مع منظمات دولية ولبنانية لضمان تطبيق أفضل الممارسات في مجال عدالة الأطفال، فأين هي هذه المنظمات المحلية وكذلك الدولية التي تتقاضى الآف الدولارات في تنظيم المؤتمرات والندوات تحت شعار حماية حقوق الطفل والإنسان؟ أين لجان حقوق الطفل وأين قضاة الأحداث؟
في لبنان، مدة التوقيف الاحتياطي (أو التوقيف الاحترازي) تختلف حسب نوع الجريمة، لكنها محددة بموجب قانون أصول المحاكمات الجزائية، ففي الجنح، الحد الأقصى للتوقيف الاحتياطي هو شهرين قابلة للتجديد مرة واحدة فقط بقرار معلل من القاضي، أي 4 أشهر كحد أقصى، و في الجنايات الحد الأقصى للتوقيف الاحتياطي هو 6 أشهر قابلة للتجديد بقرار معلل، ويمكن أن تمتد حتى سنة واحدة قبل صدور قرار ظني الذي بعد صدوره لا يعود هناك مهلة محددة قانونًا، ويمكن أن يستمر التوقيف حتى المحاكمة، لكن يجب أن يُنظر في استمرار التوقيف بشكل دوري.
هي سردية موجزة لمآسٍ تعبر مرور الكرام في السجون اللبنانية المكتظة وتُمارس ضد قاصرين يقضون محكوميتَين في الوقت نفسه: الجرم الذي أوقفوا بناء عليه والإهمال والبطء في المحاكمات، وهو وضع اذا استمر على ما هو عليه فكل الحكايات المشابهة لما أوردناه أعلاه ستنتهي بمرثيات.