جرت في الأردن منذ ثلاثة أيام إنتخاباتٌ برلمانية، أعلنت على أثرها الهيئة المستقلة للانتخاب في الأردن عن النتائج النهائية للانتخابات البرلمانية لمجلس النواب العشرين، والذي حصلت فيه جبهة العمل الإسلامي (التيار السياسي للإخوان المسلمين في البلاد) على 31 مقعداً من أصل 138 مقعداً.
في قراءةٍ معمّقة لتلك النتائج الرسمية، يمكن التوقّف عند الآتي :
-أولاً: لم تنل جبهة العمل الإسلامي الثلث المعطِّل الذي يجعلها قادرةً على تشكيل حكومة أو تعطيل تشكيل حكومة في الأردن.
-ثانياً: صعود الجبهة من حيث عدد مقاعدها حَكمَته اعتباراتٌ ظرفيةٌ لاسيما الحرب في غزّة والحادث الانتحاري الأخير في معبر الكرامة، والذي قتل فيه أحد الأردنيين ثلاثة جنود إسرائيليين، فضلاً عن التعاطف الشعبي الطبيعي مع القضية الفلسطينية ومأساة غزّة، وبالتالي هذه العوامل مجتمعةً كان لها اليد الطولى في اكتساب “جبهة العمل الإسلامي” مزيداً من المقاعد.
-ثالثاً: ارتفعت نسبة المشاركة العامة الى درجتين مئويتين بالمقارنة مع دورة انتخابات عام 2020، حيث بلغت 32.25% مقارنةً بسابقتها التي كانت 29.9 %، وهذا أيضاً يجدُ تفسيره في التطورات الأمنية والعسكرية والسياسية المحيطة بالأردن، والتي دفعت قسماً كبيراً من الأردنيين الى الإدلاء بأصواتهم تعبيراً عن موقفهم وقلقهم من تلك التطورات وتأثيرها على بلادهم.
-رابعاً: حصلت الأحزاب الأخرى على 104 مقاعد أي بزيادة بلغت 92 مقعداً، فيما حصل حزب “جبهة العمل الإسلامي” على 31 مقعداً متقدّماً على كل الأحزاب التي شاركت في الانتخابات وعددها 38، على الرغم كما قلنا من أن هذا العدد من المقاعد لم يصل الى الثلث الذي من خلاله يستطيع “الأخوان المسلمون” التحكّم بالقرارات والتشريعات المفصلية.
-خامساً: رغم كل هذه التطورات الانتخابية، فإن الأردن ليس بمقدوره الذهاب الى المواقف المتطرّفة التي تصلُ الى حدّ إلغاء اتفاقية “وادي عربة” مع الإسرائيليين، لأن الأردن في وضعه وتركيبته السكانية لا يستطيع الدخول في حرب مع العدو الإسرائيلي لاعتباراتٍ موضوعية أبرزها الاتفاقية المذكورة، وبالتالي فإن استقرار نظام الملك عبد الله “المتوازن والموزون” يبقى الضمانة الأساسية لأمن الأردن وسلامته، رغم الأحداث المتفرّقة أمنياً، والتي تحصل بين الحين والآخر وقد تمكّن الأردن من تجاوز قطوع حادثة قتل الجنود الإسرائيليين في معبر الكرامة، كما لا يزال يعمل جارٍ على تجنّب تأثيرات اقتحام إسرائيل للضفة الغربية.
هنا لا بدَّ من الإشارة الى أن من مصلحة إسرائيل أن يكون الأردن مستقراً لأنه، ما بعد القدس والضفة، هناك امتداد عربي من بوابة الأردن لن يكون غبداً من السهل على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحكومته اليمينية المتطرّفة الذهاب بعيداً في مواجهته ومواجهة العمق الاستراتيجي الذي يمثّل الأردن بوابته،
وبالتالي على الإسرائيلي أن يفهم أن المسّ بأمن الأردن واستقراره هو مسٌّ باطأمن واستقرار الدول العربية والخليجية سواء جيو سياسياً أو استراتيجياً.
-سادساً: فضلاً عن ارتباط الأردن باتفاقية “وادي عربة” وما يجنيه من مكاسب منها ليس باستطاعته تحرير الأراضي الفلسطينية وعدم فتح حدوده لمقاتلة إسرائيل أو السير في ركب أجندة إيران الإقليمية، ولا سيما في فلسطين علماً أنه، في المقاربة الاجتماعية السياسية، فإن الإخوان في الاردن لا يفوزون كأخوان مسلمين بل كعشائر، بحيث أن مَن يفوزُ يكون قد فاز بأصوات عشيرته وعائلته، وبالتالي لا أحد من خارج “البوطقة العشائرية” يستطيع الترشّح ونيل أصوات أهل المنطقة أو العشيرة.
-سابعاً: نتائج انتخابات البرلمان الأردني بكل تداعياتها الداخلية لن يكون لها أي تأثيرٍ على النهج الرسمي الذي يعتمده الملك عبدالله الثاني، لاسيما في الموضوع الخارجي، وبخاصة في مسألة فلسطين وحرب غزّة وموضوع الضفة الغربية، لأن الأردن محكومٌ بتوازناتٍ إقليمية ودولية تجعل منه صاحب “دور توازني” واعتدالي في المنطقة، إسوةً بدول الخليج وبخاصة المملة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، وبالتالي هو دولةٌ ذات سيادة ولا يقبل بأن يكون مطية لأجندات خارجية، وبخاصةٍ أجندة إيران ووكلائها في المنطقة الهادفة الى ضرب استقرار الأردن من الداخل بعدما فشلوا في ضربه من الخارج، وقد لا تكون صدفةً بأن تتقاطع مصلحة اليمين الإسرائيلي الصهيوني المتطرّف، وليس إسرائيل كدولة ذات مصالح حيوية مع جيرانها، مع مصلحة إيران في استكمال مشروع ضرب استقرار الأردن وإسقاط النظام وتحويل هذا البلد الى ساحة فوضى واقتتالٍ وتخلّفٍ، كما هي الساحات التي تحكمها حالياً طهران في سوريا والعراق واليمن ولبنان.
يبقى أنه، وبقدر ما هو مهمٌ دعم الأردن ملكاً وشعباً للحفاظ على أمن واستقرار هذا البلد الشقيق، بقدر ما هو من المهم أن يُدرك الغرب الحليف للنظام الأردني بأن أمن الأردن واستقراره هو جزءٌ لا يتجزأ من أي تطبيع أو سلام أو استقرار في المنطقة.
محاولاتٌ كثيرة تجري لضرب الأردن من الداخل كما من الخارج، للوصول الى أمن واستقرار دول الخليج ذات العمق الاستراتيجي والجيو سياسي للأردن .