مرّة جديدة، وجد حزب الله نفسه في مواجهة قرارٍ يحدّ من تمدده المالي، فاختار عبر أمينه العام الشيخ نعيم قاسم أن يوجّه سهامه نحو حاكم مصرف لبنان كريم سعيد.
تصريح قاسم الذي جاء في أعقاب سلسلة قرارات ضيّقت الخناق على الحزب وشبكاته المالية، يعكس توتّراً واضحاً داخل بيئته، ومحاولة مكشوفة لتحويل المواجهة من مالية وقانونية إلى سياسية وإيديولوجية، في مسعى لتصوير تطبيق القوانين وكأنه استهداف للحزب ومحيطه.
في شهر تشرين الثاني من العام 2015 أقر مجلس النواب القانون المتعلق بمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب وبقي هذا القانون طوال سنوات من دون أي تطبيق فعلي بسبب سيطرة حزب الله على مفاصل الحياة السياسية والأمنية والقضائية في لبنان، ولأن تطبيقاً فعلياً لهكذا قانون كان سيحرم حزب الله من التمويل بمئات ملايين الدولارات سنوياً من موارد غير شرعية متعددة ولم يكن أحداً في الدولة اللبنانية يمتلك الجرأة لاتخاذ خطوات لتجفيف الموارد المالية للحزب.
أضعفت حرب الإسناد حزب الله عسكرياً ومالياً، فتوقف تدفق الأموال الإيرانية إلى لبنان بعدما مُنع الطيران الإيراني من الهبوط في البلاد، وأتت الضربة القاضية التي قطعت طريق التمويل عبر سوريا بسقوط نظام الأسد. حاول الحزب لاحقاً استخدام طرق أخرى مثل تركيا لنقل الأموال إلى لبنان، لكن تشديد الإجراءات الأمنية في مطار رفيق الحريري الدولي حدّ بشكل كبير من عمليات تهريب الأموال هذه. ولا يجب أن ننسى الضربة الكبرى التي تعرضت لها أيضاً صناعة حبوب الكبتاغون وتهريبها، وهي التي كانت من أهم الموارد المالية التي يُقال إنها كانت تموّل حزب الله وبيئته.
وكان موقع LebTalks أول من ألقى الضوء على ملف الكبتاغون، وعلى العملية الكبيرة التي استهدفت هذه الصناعة وشبكات تمويلها، وذلك من خلال تغطيته عبر الموقع ومنصّاته على وسائل التواصل الاجتماعي.
وفي أعقاب حرب الإسناد بدأ تطبيق فعلي لقانون مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب واتخذ المصرف المركزي في ولاية الحاكم الجديد كريم سعيد سلسلة من التدابير والإجراءات التي حاصرت بشكل جدي حركة الأموال الكاش لحزب الله والذين يدورون في فلكه، فأصبحت هناك صعوبة في استخدامها ضمن النظام المالي والنظام الإقتصادي في لبنان كذلك حوصر القرض الحسن واستعان الحاكم بشركة "K2 integrity" الأميركية لمعالجة الإقتصاد النقدي والحد منه وكان للتدابير التي طبقت تجاه الصرافين وشركات تحويل الأموال وحتى محال بيع المجوهرات الأثر الكبير في الحد من الـcash economy واستخدام هذا النظام في تبييض الأموال.
وفي هذا السياق لاقى وزير العدل عادل نصار حاكم مصرف لبنان في خطوات ملاحقة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب وكان للقرار الذي أصدره الوزير نصار وطلب فيه من كتاب العدل الامتناع إتمام أي وكالات أو عقود مشكوك في مصدر اموالها، أثر كبير في استكمال الحصار على حزب الله لأن الحزب كان يعتمد في تحريك جزء من أمواله والإستفادة منها عن طريق بيع وشراء العقارات والسيارات وقد حرمه قرار وزير العدل من جزء مهم من العائدات المالية لهذه الحركة، فضلاً عن أن وزير العدل طلب التشدد في ملاحقة القضايا الموجودة أمام القضاء والمتعلقة بتبييض الأموال وتمويل الإرهاب.
وعلى خلفية النتائج السلبية التي أصابت حزب الله جراء تدابير مصرف لبنان ووزارة العدل لجأ حزب الله إلى أسلوب تهديد الحاكم ووزير العدل على أعلى المستويات فكان هذا لسان حال الأمين العام للحزب نعيم قاسم ونواب الحزب ومسؤوليه ظناً منهم أن هذا الأسلوب سيدفع المعنيين إلى التراجع والعودة إلى حال التسيب المالي التي كانت معتمدة منذ سنوات.
إلا أن الضغوط والتهديدات لن تُغيّر من مسار الإصلاح المالي القائم، لأن منطق الترهيب لم يعد يجدي أمام واقعٍ يتطلّب شجاعة ومواجهة. فالحاكم ماضٍ في نهجه الإصلاحي، مهما ارتفع منسوب الأصوات المعترضة، لأن حماية النظام المالي باتت اليوم معركة سيادة بامتياز.