شكّل ملف تهريب المخدرات من لبنان إلى دول الخليج، ولا سيما المملكة العربية السعودية، أحد أبرز العوامل التي أثّرت سلباً في العلاقات اللبنانية – الخليجية خلال السنوات الماضية. وقد تصدّر مخدر الكبتاغون واجهة هذا الملف، باعتباره مادة اصطناعية خطيرة تحوّلت إلى أداة تهديد أمني واجتماعي عابر للحدود، وليس مجرّد قضية جنائية تقليدية.
وفق مصادر أمنية، فإن "لبنان لم يكن في معظم الحالات بلداً منتجاً للكبتاغون بقدر ما كان ممرّاً رئيسياً له، مستفيداً المهرّبون من ضعف الرقابة على الحدود البرية والبحرية، ومن التداخل الجغرافي والأمني مع سوريا خلال فترة الحرب". وتشير هذه المصادر إلى أنّ "شبكات التهريب عملت لسنوات تحت مظلّة نفوذ سياسي وأمني، ما صعّب على الدولة اللبنانية التحرّك بفعالية في هذا الملف".
وقد بلغ التوتر ذروته العام 2021، حين قررت السعودية حظر الواردات اللبنانية بعد ضبط شحنات مخدّرة مخبأة داخل منتجات زراعية. واعتُبر القرار حينها رسالة سياسية وأمنية واضحة مفادها أنّ أمن المجتمع الخليجي خط أحمر، وأنّ أي تقصير لبناني في ضبط التهريب ستكون له كلفة اقتصادية مباشرة. وقد انعكس ذلك بشكل قاسٍ على الاقتصاد اللبناني المنهار أساساً، خصوصاً على القطاع الزراعي الذي فقد أسواقه الخليجية الأساسية.
وتشرح مصادر قضائية أنّ "تجارة الكبتاغون ازدهرت بشكل غير مسبوق بين عامي 2012 و2023، حيث تحوّلت إلى صناعة منظّمة تسيطر عليها مجموعات محدودة، تتنافس ليس فقط على طرق التهريب، بل حتى على العلامة التجارية للحبة نفسها، من حيث الشكل واللون والرمز، في محاولة لكسب ثقة الزبائن في الأسواق الخليجية". وتؤكد هذه المصادر أنّ "تلك المرحلة ما كانت لتستمر لولا الغطاء الذي وفّره النظام السوري السابق، إلى جانب قوى نافذة في لبنان".
بعد سقوط النظام السوري وتبدّل موازين القوى الأمنية في المناطق الحدودي، بدأت معالم مرحلة جديدة تظهر. فبحسب مصادر في الجيش "أُعيد فتح ملفات قديمة، ونُفّذت مداهمات في مناطق كانت تُعدّ سابقاً محظورة أمنياً"، كما جرى توقيف شخصيات معروفة في عالم التهريب، من بينها نوح زعيتر، في خطوة اعتُبرت رسالة داخلية وخارجية بأنّ الدولة عازمة على استعادة هيبتها.
وأكدت المصادر أنّ "التعاون الأمني مع السعودية شهد تطوراً ملحوظاً في الفترة الأخيرة، سواء عبر تبادل المعلومات أو عبر تنسيق غير مباشر يهدف إلى منع وصول الشحنات قبل مغادرتها الأراضي اللبنانية. وقد انعكس هذا التعاون إيجاباً على الخطاب السعودي الرسمي، حيث بدأت الرياض تتحدث عن تحسّن ملموس في أداء الأجهزة اللبنانية، وعن استعداد لإعادة فتح صفحة جديدة في العلاقات التجارية.
في المحصّلة، معالجة ملف الكبتاغون لا تتعلق فقط بإرضاء دول الخليج، بل تمسّ جوهر سيادة الدولة اللبنانية ودورها الإقليمي. فنجاح لبنان في إقفال هذا الملف يشكّل مدخلاً ضرورياً لاستعادة الثقة العربية والدولية، وشرطاً أساسياً لإخراج البلاد من عزلتها الاقتصادية والسياسية، في لحظة إقليمية دقيقة لا تحتمل مزيداً من الأخطاء.