لبنان يتصدّر وفيات السرطان عالمياً.. "الوباء الصامت" يفتك بالمجتمع

VexIOTprze2EOY0WhpUq9jz40QfqIIg3vS0lUx6A

في وقتٍ تشهد فيه أنظمة الصحة حول العالم تطوّراً ملحوظاً في مواجهة مرض السرطان، يحتل لبنان المرتبة الأولى عالمياً من حيث زيادة وفيات السرطان، في مؤشر يثير القلق على أكثر من صعيد. هذا البلد الصغير بات اليوم يعاني من "وباء صامت"، حيث تخطى عدد الإصابات السنوية عتبة 13 ألف إصابة بين البالغين، إلى جانب مئات الحالات بين الأطفال، ما يكشف حجم الكارثة الصحية التي تعصف بالمجتمع اللبناني.

فما الذي يحدث؟ ولماذا ترتفع الأرقام بهذه الوتيرة الخطيرة؟ وأين تقف الدولة من كل هذا؟

في حديث خاص لموقع "LebTalks"، أكد طبيب أمراض الدم والأورام البروفيسور مروان غصن، أن "العوامل البيئية ونمط الحياة تلعب دوراً محورياً في هذا الارتفاع"، مشيراً إلى أن "التدخين لا يزال من أبرز المسببات، لا سيما في صفوف الشباب. فرغم صدور قانون عام 2010 يمنع التدخين في الأماكن العامة، إلا أن تطبيقه بقي جزئياً لفترة قصيرة، قبل أن يُهمل كلياً في السنوات الأخيرة، مما ساهم في تفاقم الظاهرة".

وأشار غصن الى أن "دراسة حديثة صادرة عن الجامعة الأميركية في بيروت أظهرت أن الانبعاثات الناتجة عن مولدات الكهرباء العاملة على المازوت، خصوصاً في المناطق المكتظة بالسكان، تسهم بشكل واضح في زيادة معدلات التلوث، مما يرفع من خطر الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي وبعض أنواع السرطان".

أضاف: "من جهة أخرى، تُعد السمنة من العوامل المتزايدة عالمياً والتي تؤثر بشكل غير مباشر على معدلات الإصابة بالسرطان، خاصة في ظل الإقبال المتزايد على الأطعمة الغنية بالسكريات نتيجة الضغوط النفسية. وعلى الرغم من عدم وجود دراسات حاسمة تربط بشكل مباشر بين الضغوط النفسية (Stress) والسرطان، فإن تأثيرها في تعزيز العوامل المساعدة على الإصابة بات واضحاً في الأبحاث الحديثة".

وتابع غصن: "يُلاحَظ في لبنان انتشار خاص لبعض أنواع السرطان، مثل سرطان المسالك البولية، بنسبة تفوق المعدلات المسجلة في عدد من الدول الأخرى، بينما تسجل باقي أنواع السرطان معدلات مشابهة للدول المجاورة".

وأفاد بأن "في عام 2000، تم تشكيل لجنة وطنية لمكافحة سرطان الثدي، وتم إطلاق حملات توعية لتشجيع الكشف المبكر، الذي يبقى السبيل الأنجح للشفاء"، مشدداً على "أهمية الفحوصات الدورية، لاسيما، فحص القولون عند سن 45 عاماً، فحص المسالك البولية بدءاً من سن 50 عامًا، وفحص عنق الرحم لدى النساء، نظراً لانتشاره الواسع في المنطقة".

ورأى أن "الإحصاءات المتداولة حالياً حول واقع السرطان في لبنان تفتقر إلى الدقة، نظراً لغياب البيانات الرسمية المحدثة". وأكد "ضرورة أن تصدر الجهات الرسمية اللبنانية توضيحاً بشأن هذه الأرقام، وتوفير قاعدة بيانات موثوقة تساعد في فهم الواقع الحقيقي، ورسم السياسات الصحية المناسبة".

بدوره، قال رئيس "جمعية بربرة نصار لدعم مرضى السرطان"، هاني نصار عبر "LebTalks"، إنّ "عدد الإصابات بمرض السرطان في لبنان يشهد ارتفاعاً متزايداً، حيث تجاوز عدد الحالات السنوية 13 ألف إصابة بين البالغين، إضافة إلى 300 إصابة بين الأطفال".

وأشار نصار إلى أنّ "أكثر أنواع السرطان شيوعاً في لبنان هو سرطان الثدي، يليه سرطان البروستات، وأيضاً سرطان المبولة"، الذي قال إنه "ينتشر بشكل مخيف بسبب التدخين".

ولفت إلى أنّ "مسببات السرطان في لبنان كثيرة، منها البيئة، الدخان، نوعية الأكل الذي نتناوله، إضافة إلى معامل الترابة"، مشددًا على أهمية "تطبيق قانون منع التدخين في الأماكن العامة".

وعن تداعيات الأزمة الاقتصادية، أوضح نصار أنّ "السنوات الثلاث الأخيرة شكّلت مجزرة بحق مرضى السرطان"، وتابع: "كانت الأدوية تُسرق وتُباع في السوق السوداء، وكانت مرحلة صعبة جداً".

وأكد أن "مع تولّي الدكتور فراس الأبيض وزارة الصحة، تم إدخال نظام المكننة، وتعرضنا حينها لضغط كبير لأننا كنا نفضح السرقات"، مضيفًا: "لقد كان هناك استغلال كبير لمرضى السرطان في لبنان".

وأشار إلى "تحسّن الوضع اليوم"، موضحاً أن "المريض لم يعد مضطراً للذهاب إلى الكرنتينا والتعرض للإذلال من أجل الحصول على دوائه، كما لم يعد بحاجة إلى وساطة. اليوم، تصل الأدوية الغالية التي تغطيها وزارة الصحة مباشرة إلى المستشفى"، لكنه أشار في الوقت نفسه إلى "وجود أدوية غالية لا تزال غير مغطاة من الوزارة".

وأوضح أن "تحسن الوضع يعود إلى وقف الهدر في الوزارة"، مضيفًا: "نقوم بحملات توعية دائمة بالتعاون مع البلديات والمدارس والجامعات، وحالياً لدينا حدث كبير لمرضى سرطان الثدي".

وكشف نصار عن "تمويل قريب ستقدمه وزارة الصحة للمستشفيات الحكومية"، داعياً المواطنين إلى "الاستفادة من هذه الفرصة وحجز مواعيد خلال الحدث التوعوي الذي تنظمه الجمعية".

وشدّد على ضرورة أن "تبدأ الفتيات من عمر العشرين بإجراء فحوصات الكشف المبكر عن سرطان الثدي، وعدم انتظار بلوغ سن الأربعين"، موضحاً أنه "في حال ملاحظة أي تغيّر، يجب التوجه فورًا إلى الطبيب".

وختم نصار بالإشارة إلى أنّ "الصعوبات التي نواجهها هي في الدرجة الأولى مادية، ونحن نعتمد على العمل التطوعي، لكنه غير كافٍ"، مشيرًا إلى "عدم توفر الدعم اللازم لإنشاء مراكز لإعادة تأهيل مرضى السرطان نفسياً وجسدياً".

هذه الارقام تشير إلى واقع صحي مقلق. الوقاية، التوعية، والتشخيص المبكر هي مفاتيح أساسية لمواجهة مرض السرطان في لبنان. ومع تضافر الجهود، يمكن تقليل الأثر وتحسين حياة المصابين.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: