لم يكن اغتيال رئيس أركان حزب الله، هيثم الطبطبائي، في قلب الضاحية الجنوبية لبيروت حدثاً عابراً يمكن وضعه في خانة الاشتباك الروتيني بين إسرائيل والحزب، فالعملية، بتوقيتها وطبيعتها وموقعها، بدت أقرب إلى إعلان مرحلة جديدة تتجاوز الرسائل الموضعية إلى محاولة مدروسة لنسف المسار السياسي الذي بدأ يتشكل في الأسابيع الأخيرة، وجر المنطقة نحو مشهد أكثر قتامة وتعقيداً.
فالتجربة التاريخية تُظهر أن إسرائيل نادراً ما تلجأ إلى الاغتيال كفعل انفعالي، بل تتعامل معه كأداة استراتيجية ذات أهداف محددة، تستخدم في اللحظات التي ترى فيها أن المسار السياسي لا يخدم مصلحتها أو يهدد قواعد اشتباكها.
مصدر سياسي متابع يعتبر في حديثه لـ"LebTalks" أن المشهد الحالي يستعيد بدقة اللحظات التي سبقت 27 أيلول 2024، حين دخلت إسرائيل في مسار تصعيدي بدأ بعمليات اغتيال لقيادات محورية في بنية الحزب، وتوج لاحقاً بعمليتي تفجير أجهزة "البيجر" وشبكات الاتصال اللاسلكي، قبل الوصول إلى اغتيال الأمين العام السابق للحزب، حسن نصرالله.
وبرأي المصدر، فإن اغتيال الطبطبائي ليس حدثاً منفصلاً، بل حلقة متكاملة ضمن قرار إسرائيلي واضح يقوم على تفكيك الهرم القيادي للحزب بطريقة ممنهجة.
ويضيف: هناك تصميم إسرائيلي على إزالة الطبقة القيادية العليا بكاملها، واغتيال الطبطبائي يأتي منسجماً مع هذا المسار، ومع الخطاب الإسرائيلي الذي يزداد تصعيداً بالدعوة إلى توسيع نطاق الضربات وتغيير قواعد اللعبة.
ويتابع، كانت الأجواء الدبلوماسية في بيروت والعواصم المعنية تميل إلى الاعتقاد بأن جولة المباحثات الحالية قد تكون فرصة أخيرة قبل انفجار الوضع، إلا أن الضربة التي استهدفت الضاحية جاءت لنسف هذه الدينامية، ما أدى إلى تبديد المناخ السياسي الذي بدأ يتكون، ودفع الأمور إلى لحظة حافة خطيرة.
فالهجوم، وفق تقديرات المصادر نفسها، لم يكن مجرد رسالة عسكرية، بل تصفية مسبقة لأي مسار تفاوضي محتمل، وسط قناعة إسرائيلية بأن الحكومة اللبنانية، مهما حاولت، لن تكون قادرة على إضعاف الحزب أو دفعه إلى تقديم تنازلات يُراهن عليها الوسطاء.
في المحصلة، النقطة اللافتة في الخطاب الإسرائيلي خلال الأسابيع الأخيرة هي تأكيد مسؤولين سياسيين وعسكريين أن تل أبيب لن تنتظر طويلاً ولن تخوض حرباً استنزافية تمتد لسنوات، بل تسعى إذا انفجر الصراع إلى جولة قتال قصيرة، كثيفة، وحاسمة.
وتشير التدريبات والمناورات التي تجريها إسرائيل إلى استعدادات لسيناريوهات تتراوح بين مواجهة محدودة ومواجهة شاملة قد تمتد جنوباً وشمالاً في آن واحد، وهذا يعني أن تل أبيب تتصرف وكأنها أمام نافذة زمنية تريد استغلالها قبل تغير المعادلات الإقليمية والدولية.
بالتالي، اغتيال الطبطبائي ليس مجرد تطور أمني، بل تبدل بنيوي في شكل المواجهة بين إسرائيل والحزب، فهو يعيد رسم خارطة الاشتباك، ويسقط عملياً المسار السياسي الذي حاولت بعض القوى تعويمه، ويضع لبنان والمنطقة أمام سلسلة احتمالات، أقلها خطورة استمرار الاغتيالات، وأشدها اندفاع الجميع نحو جولة صدام واسعة.