بلغت العلاقات المصرية- الإسرائيلية مبلغاً من التوتر باتَ معه السؤال الكبير يُطرح حول مصير اتفاقيات كامب ديفيد بين البلدين، وبخاصة في ظل تطورين خطيرين حصلا في الأيام والساعات الماضية.
بدايةً، دعونا نلفتُ النظر الى ما نشره موقع “واشنطن اكزامينر” منذ ساعات عن أن إسرائيل أرسلت الى أثيوبيا منظوماتٍ دفاعيةٍ متقدّمة بوساطة المغرب، ما يستدعي
طرح أكثر من علامة استفهام حول العلاقات المصرية- المغربية و العلاقات المصرية- الأثيوبية، وصولاً الى العلاقات المصرية- الإسرائيلية.
على صعيد العلاقة بين مصر والمغرب، يبدو أنها ليست على ما يرام، إذ أن خلفية الخلاف تتعلّقُ ببعض التباينات الاستراتيجية بين البلدين، ومنها في الأساس مسألة “البوليساريو”، حيث لم تتطلّع الرباط بعين الرضى الى تقارب مصر من قادة البوليساريو منذ أكثر من عام، حين التقى مساعد رئيس أركان حرب القوات المسلّحة المصرية اللواء عصام الجمل قائداً عسكرياً من جبهة البوليساريو أثناء انعقاد الاجتماع العاشر لمجلس وزراء الدفاع للدول الأعضاء في قدرة بإقليم شمال أفريقيا، وذلك في حضور قائد أركان الجيش الجزائري الفريق أول السعيد شنقريحة.
والجدير التذكير به أن العلاقات المصرية- المغربية سبقَ لها أن مرّت بفترات توتر منذ العام 2014، حين زار وفدٌ إعلامي مصري كبير في حزيران من ذلك العام مخيمات “تندوف” في الجزائر، وتلا هذه الزيارة حملةٌ صحفية تمَّ خلالها استضافة زعيم البوليساريو السابق محمد عبد العزيز في صحفٍ ومجلاتٍ مصرية عدة، لكن على ما يبدو أن الرباط مستاءةٌ من الموقف المصري الداعم، إن لم يكن المتعامِل مع البوليساريو، وقد ترجمت استياءها على مراحل منذ العام 2014، إلا أنه هذه المرة بلغَ تصرّفُ المغرب حدَّ التوسّط للأثيوبيين من أجل الحصول على منظومة دفاعٍ جويٍ متطور من إسرائيل، وقد تمّت الصفقة، ما يُعتبَر تهديداً أثيوبياً كبيراً للأمن القومي المصري، خصوصاً في ظل التوتر المتصاعد بين القاهرة وأديس ابابا على خلفية أزمة سدّ النهضة.
من جهة أخرى، يبدو أن مسألة ممر فيلادلفيا في جنوب قطاع غزّة ليست مسألة حماس وسلاحها، ولا هي مسألة أنفاق على عكس كل ما يُقال ويُشاع، بل هي أزمة تل أبيب مع القاهرة، على خلفية رفض القاهرة القاطع لفتح سيناء أمام هجرة الفلسطينيين من القطاع.
وفي هذا السياق، ذكرت القناة 12 الإسرائيلية منذ فترة قصيرة أن “الأنفاق ” التي يدّعي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وقيادته العسكرية وجودها في الممر المذكور “مردومةٌ منذ سنوات”، وقد أنشأت إسرائيل طريقاً بطول 14 كيلومتراً على محور فيلادلفيا لتبني عليها في المنطقة المعروفة (ج) المشمولة في اتفاقيات كامب ديفيد، والتي من المفترض وفق الاتفاقيات أن تكون منزوعة السلاح، لكن حكومة نتنياهو خالفت نصوص كامب ديفيد بحيث بات يتواجد في هذه المنطقة جيش إسرائيلي وأسلحة ثقيلة.
وسط هذه الأجواء، قام رئيس أركان الجيش المصري الفريق أحمد خليفة منذ يومين بزيارة وصفت بالمفاجئة الى حدود قطاع غزّة، حيث التقى الجنود والضباط المصريين المرابطين على الحدود، وتفقّد كتيبة الصاعقة وكتيبة الدفاع الجوي وكتيبة المشاة وسواها من ألوية الجيش المصري الموجودة في المنطقة، معطياً الأمر للجيش المصري بالردّ المباشر بالأسلحة الثقيلة على أي طلقٍ ناري يأتي من محور فيلادلفيا.
هذا التطور في الموقف المصري الرسمي يضع حدّاً لكل ما يُقال ويُشاع في إعلام وأبواق محور المقاومة والممانعة وحماس من تواطؤ بين الجيش المصري والجيش الإسرائيلي على قطاع غزّة، ولإنهاء ما يُسمّى بالمقاومة الفلسطينية التي تخوضها حماس والجهاد الإسلامي منفردَين بإسم القضية الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني المشروع.
التطورُ المصري المُشار اليه أعلاه يشي سياسياً بتغيّر في الموقف المصري الذي بات على أهبّة الاستعداد لمواجهة تعنّت بنيامين نتنياهو وحكومته حيال محور فيلادلفيا وموقف مصر الرافض للسماح بلجوء الغزاويين الى سيناء، ويأتي هذا التطور بالتزامن مع ما أعلنه الأردن حول اعتبار اقتحام إسرائيل للضفة بمثابة إعلانٍ للحرب، وبالتالي سقوط اتفاقية “وادي عربة” لتعلّق الهجوم بأمن الأردن القومي، فهل يدخلُ الصراع بين فلسطين وإسرائيل مرحلةً خطيرةً جديدةً من شأنها توريط الدول العربية الموقِّعة مع إسرائيل على اتفاقيات سلام في حرب ضد إسرائيل من باب الدفاع عن النفس أم أن في الأفق تسوياتٌ وحلولٌ يُعمَل عليها في كواليس القرار الدولي والإقليمي؟ أم أن ما يحصلُ على الأرض هو فقط سيناريوهات من باب التيقّظ وتثبيت المواقف ورسم الخطوط الحمر أمام غطرسة نتنياهو وحكومته اللامتناهية؟
مهما يكن، فإن الحروب بحسب تجارب التاريخ تبدأ أحياناً كثيرة حيث لا يتوقّع وتنتهي حيث لا يتوقّع، ولا تأتي أحياناً كثيرة رغم الشحن والتصعيد والاستنفار والتعبئة … مع عدم انقطاع خطوط التواصل حتى في أحلك اللحظات بين المتصارعين …
أما الموقف بين الأشقاء العرب المتآمرين على بعضهم البعض، فمسألةٌ أخرى …