عادت العلاقة بين بيروت ودمشق إلى الواجهة، وهذه المرة من بوابة الموقوفين السوريين في السجون اللبنانية، بعد تقارير إعلامية تحدثت عن غضب رسمي سوري من ما اعتُبر “تجاهلًا لبنانيًا متواصلًا” لمعالجة الملف، وسط تسريبات عن نية دمشق اتخاذ إجراءات تصعيدية بحق الحكومة اللبنانية.
فبحسب معلومات أوردها تلفزيون “سوريا”، نقلًا عن مصادر خاصة، فإن الرئيس السوري أحمد الشرع أعرب في اجتماع داخلي عن استيائه من غياب التنسيق مع بيروت حول مصير مئات الموقوفين السوريين، وأصدر تعليمات مباشرة إلى وزارة الخارجية بـ”التحرك العاجل”.
كما أشارت المصادر ذاتها إلى أن وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني سيزور بيروت خلال أيام، بقرار مباشر من الرئيس الشرع، لبحث الملف مع المسؤولين اللبنانيين.
وتضمنت التسريبات حزمة خيارات تصعيدية تدرسها دمشق، من بينها:
• تجميد بعض القنوات الأمنية والاقتصادية المشتركة
• إعادة النظر في التعاون الأمني على الحدود
• فرض قيود على الشاحنات اللبنانية العابرة للأراضي السورية
• وحتى إغلاق بعض المعابر الحدودية البرية بين البلدين
ورغم ما أُثير، نفت وزارة الإعلام السورية هذه الأنباء بشكل قاطع، حيث نقلت قناة “الإخبارية السورية” عن مصدر رسمي قوله: “لا صحة لما يتم تداوله عن وجود نية لدى الحكومة السورية باتخاذ إجراءات تصعيدية تجاه لبنان”.
وأضاف المصدر أن الحكومة السورية تؤكد على أولوية ملف المعتقلين السوريين وضرورة معالجته من خلال القنوات الرسمية بين البلدين، في ما بدا محاولة واضحة لاحتواء الموقف وتجنّب أي توتّر علني.
موقف بيروت: متابعة قضائية لا سياسية
من جانبها، أكدت مصادر لبنانية لموقع “LebTalks” أن تواصلًا رسميًا حصل مع الجانب السوري، ونُقل خلاله استغراب بيروت لما يتم تداوله في الإعلام السوري المعارض، مشيرة إلى أن لبنان لا يسعى لتأزيم العلاقة، بل يتعامل مع الملف ضمن أطر قضائية واضحة.
وبحسب ما أفادت به مصادر قضائية، فإن وزير الدفاع اللبناني ميشال منسى يتابع الملف شخصيًا، في تنسيق مع الجهات القضائية المختصة. وأضافت المصادر أن غالبية الموقوفين السوريين يُحاكمون أمام المحكمة العسكرية بتهم تتعلق بالإرهاب أو الانتماء إلى تنظيمات مسلحة، ما يجعل الملف “قانونيًا بامتياز، وغير قابل للتسوية السياسية المباشرة”، كما تقرّر متابعة الملف بين وزارتي العدل اللبنانية والسورية.
كما شددت على أن أي تحرك لحل هذا الملف يجب أن يتم ضمن اتفاقيات التعاون القضائي القائمة بين لبنان وسوريا، خصوصًا معاهدة عام 1951، التي تنص على تبادل الموقوفين والتعاون في القضايا الأمنية والقضائية.
هذا الملف ليس معزولًا عن سياقه السياسي الأشمل. فالعلاقات اللبنانية–السورية لا تزال تمرّ بمرحلة فتور حذر منذ بداية الأزمة السورية عام 2011، وسط رفض داخلي لبناني واسع لأي تطبيع سياسي شامل مع النظام السوري، يقابله إصرار دمشق على استعادة دورها ونفوذها في ملفات تمسّ أمنها القومي.
ويأتي هذا التوتر في وقت حساس بالنسبة للبنان، حيث تتصاعد الضغوط الدولية عليه لمعالجة ملفات اللاجئين والتسلل الحدودي، فيما تحاول سوريا إعادة ترتيب علاقاتها الإقليمية انطلاقًا من ملفات ثنائية مثل ملف اللاجئين والموقوفين.
رغم التصعيد الإعلامي الذي رافق التسريبات، تبدو الأمور حتى الآن تحت السيطرة، فالمواقف الرسمية من الجانبين تُظهر أن كليهما غير راغب في تفجير أزمة علنية، وإن كان كل طرف يسعى لاستخدام الملف كورقة ضغط في سياق سياسي أوسع.
لكن بقاء هذا الملف بلا معالجة واضحة، وتراكم ملفات الخلاف، قد يُبقي العلاقات اللبنانية–السورية في دائرة التوتر الصامت، القابل للاشتعال في أي لحظة.