تتسارع التحركات الديبلوماسية في بيروت على وقع هدنة هشّة أنهت آخر جولات التصعيد بين لبنان وإسرائيل في 27 تشرين الثاني 2024، لكن خلف الكواليس، يُحضر مسار سياسي جديد قد يُشكل نقطة تحول تاريخية في العلاقة بين البلدين.
ووفق معلومات خاصة حصل عليها موقع "LebTalks" من مصادر ديبلوماسية غربية، فإن مهمة السفير الأميركي الجديد في بيروت، ميشال عيسى، تتجاوز الأطر التقليدية للتمثيل الديبلوماسي، إذ كُلّف بمهمة دقيقة ومحورية، أبرزها الدفع نحو اتفاق بديل لوقف إطلاق النار، اتفاق يتجاوز منطق التهدئة المؤقتة نحو صيغة تفاهم مستدام، برعاية أميركية مباشرة، يُرجح أن يتخذ طابعاً شبه نهائي.
وتُضيف المصادر أن اللافت في هذه المهمة هو التعاون الوثيق بين السفير عيسى والمبعوثة الخاصة مورغان أورتاغوس، المعروفة بخبرتها الواسعة في الملفات الإقليمية الشائكة، بالتالي ستعود اليوم إلى الساحة اللبنانية من بوابة التفاوض غير المباشر، في سيناريو يُعيد إلى الأذهان اتفاق ترسيم الحدود البحرية لعام 2022، لكن مع طموح أميركي أكبر، يتجاوز إدارة الأزمة إلى إعادة تأطيرها سياسياً ضمن مشروع طويل الأمد يهدف إلى ترسيخ الاستقرار وفتح آفاق جديدة للعلاقات الإقليمية.
وفي السياق نفسه، تتقاطع هذه الجهود مع تحولات جيوسياسية دقيقة تعيد رسم موازين النفوذ في شرق المتوسط، فواشنطن، التي راقبت عن كثب تداعيات الحرب الأخيرة، باتت على قناعة بأن الجمود السياسي لم يعد خياراً قابلاً للحياة، وأن اللحظة الحالية، ما بعد التصعيد، تمثل فرصة نادرة لدفع الأطراف نحو مفاوضات غير مباشرة، تحت مظلة ضمانات دولية، بعيداً من الضجيج الإعلامي.
إذاً، ما يجري خلف الستار لا يهدف فقط إلى تصدير تهدئة ظرفية، بل يمثل اختباراً حقيقياً لقدرة الديبلوماسية الأميركية على تطويع التناقضات اللبنانية، واحتواء المخاوف الإسرائيلية، وتحييد مخاطر الانفجار الإقليمي المحتمل.
الأشهر المقبلة كفيلة بكشف مدى جدية هذا المسار، وما إذا كانت بيروت على أعتاب محطة تفاوضية جديدة ومختلفة عن سابقاتها، أو أن المبادرة الأميركية ستصطدم كغيرها بجدار الواقع اللبناني الصلب، إلا أن ما هو واضح حتى اللحظة، أن تعيين ميشال عيسى ليس مجرد تبديل ديبلوماسي روتيني، بل حلقة أساسية في استراتيجية إعادة تموضع أميركية أوسع في لبنان والمنطقة.