كتب أنطوان سلمون
على الرغم من الجهد الذي بذله الحزب ومؤيدوه من التابعين السياسيين والاعلاميين والمنضوين الذميين من المسيحيين، للترويج لفكرة اندماجه في الوطن ولحجة قبوله بالانخراط في الدولة والوطن معترفاً، وعلى الرغم من اصداره وثيقته السياسية في 30 تشرين الثاني 2009 بعد رسالته الى المستضعفين في 16 شباط 1985 وبعد توقيعه لورقة تفاهمه مع التيار المسيحي تحت وهم “لبننة الحزب” في 6 شباط 2006، أطل الامين العام الجديد نعيم قاسم الوريث لمن تخطى بكاريزميته “لا بمضمونه” الطوائف في لبنان والعالم العربي، ليكشف بخطابيه الاخيرين عودة الحزب الى مرحلة الثمانينات المفعمة بالأمر المعروف والنهي عن المنكر وفرض الشريعة في مناطق نفوذه وخطف الاجانب وتفجير السيارات وطرد المسيحيين، وتجدر الاشارة في هذا الزمن الى ان شعبية الحزب امام تلك الانكشافات كانت في لبنان متدنية شيعياً ومنعدمة سنياً مسيحياً ودرزياً وكان الحزب محظوراً محارباً عربياً وغربياً.
تكفي الاشارة للدلالة على ما نقول، الى النتيجة التي مني بها الحزب في المجلس البلدي لمدينة بعلبك معقله الحالي، في الانتخابات البلدية لعام 1996 اذ خرق الحزب بـ4 أعضاء فقط من أصل 21 عضواً.
في خطاب العودة الى خطاب الثمانينات والذي تحدث في 16 شباط 1985 عن “اننا أبناء امة حزب الله التي نصر الله طليعتها في ايران واسست نواة دولة الاسلام المركزية في العالم”، يقول نعيم قاسم في 6 تشرين الثاني 2024: “نحن نسير بالسنة الإلهية ومتأكدون من النصر، وهو يسير بسنة الشيطان، ويقول إنه يريد أن ينتصر، لكن نحن متأكدون أنه سينهزم”، كذلك وتأكيداً على فكرة غيبية عقائدية ثابتة لدى الحزب منذ النشأة عن انه من الخراب يكون الإنجاز… ومن الدمار يكون الإنتصار وخلافاً للشعار الدعائي التجميلي “نحمي ونبني” واستكمالاً لما ورد على لسان الراحل نصرالله في صحيفة السفير تاريخ 3 تموز 1991 من ان “الدنيا في فكر الحزب فانية محدودة، نحن قوم ننمو ونكبر بالدمار”، يقول قاسم في خطاب اربعينية نصرالله: “الثمن الغالي من الدماء والشهداء وصمود المقاومة والناس، هذا ثمن لا بدّ من دفعه من أجل أن نصل إلى الانتصار”.
دلالةً على ان الحزب لم يغيّر ولم يبدّل قيد انملة من خطابه الغيبي الديني العقائدي وادائه المؤدي لتنفيذ مشروعه الاكبر الاوسع الاسلامي المستورد والمستنسخ عن الجمهورية الاسلامية في ايران، لن نجد أفضل من الصحافي قاسم قصير المروّج الحالي لفكرة “لبنانية الحزب” ووهم اعتباره من المكونات اللبنانية الصافية ذات المشروع اللبناني الصرف ومصلحة اللبنانيين الخالصة اذ يقول عن الحزب في اطلالته تاريخ 17 كانون الثاني 2021 على تلفزيون الـN.B.N: “إن لدى الحزب مشكلتين عليه حلّهما، وهما:
النقطة الأولى، علاقته بإيران، لا يمكن أن يكمل الحزب، مع احترامي وتقديري لهذه العلاقة التي كان لها إيجابيّات كثيرة، لا يمكن أن يكمل بالآلية نفسها التي كانت في الفترة الماضية. يجب أن يصير حزبًا لبنانيًّا. هناك علاقة دينية لا مشكلة. علاقة معنوية لا مشكلة. لكن لا يمكن أن يبقى يقول إنني بأمر الولي الفقيه. هذه نقطة بحاجة إلى حلّ”.
النقطة الثانية، هي موضوع المقاومة. لا يستطيع الحزب أن يستمر وحده مقاومة، يجب أن يصير ضمن استراتيجية دفاعية. نحن بحاجة أولاً من الحزب ومن الشيعة ألا يكبر رأسهم كثيرًا. هذا البلد بدّو يساعنا كلنا سوا. على الشيعة أن يكونوا مواطنين في دولهم… آن الأوان الآن، للحزب، أحكي كلامًا هنا “أن يعود إلى لبنان. ليس بحاجة قاسم سليماني لكل هذا الحجم. لكن الحزب، وإيران لا أعرف، ربما يمكن تعويض، تعبئة، لأنني لاحظت حجم الاهتمام الإعلامي والثقافي والفكري لأن يمكن بدهم يعوضوا عدم القيام بعمل عسكري الآن كرد، ربما يهتمون بالجانب التعبوي. لذلك، واضح من إيران إلى العراق فالمنطقة، وهذا انعكس سلبًا علينا. فلنعترف أن هذه الحملة الإعلامية، بغض النظر عن دور الحاج قاسم سليماني بالنسبة إلى لبنان، دعم لبنان، دعم المقاومة، لكن فلنعمل نقد ذاتي كل شي بيزيد عن حدّو بينقص”.
كذلك طرح الصحافي المروّج للحزب في كتابه “الحزب بين 1982 و2016 الثابت والمتغيّر” سؤالاً بعد شرحه لالزامية تنفيذ اوامر الولي الفقيه في الصفحة 135: “لكن هناك سؤلاً اساسيًا يطرح نفسه في هذا الإطار، ماذا لو تعارض قرار الولي الفقيه مع المصالح اللبنانية وما هي المصلحة التي يقدمها الحزب؟” ليقول هو نفسه مستنتجاً في الصفحتين 139 ـ 140 “إن التحول والتغيير في خطاب واداء الحزب من أجل ان يصبح حزبًا سياسيًا يلتزم بشكل كامل بالعملية الديمًقراطية واسس بناء الدولة في لبنان، يستلزم تغييرًا حقيقيًا في رؤيته الفكرية وعلاقته الاستراتيجية بالجمهورية الإسلامية وبالالتزام بأسس الدولة. وان يتحول من حزب عقائدي ديني يضم عناصر من اتجاه ديني ومذهبي محدد الى حزب سياسي وطني مفتوح”، ليخلص بالقول: “يبدو أن هذا التحول غير ممكن في المرحلة الحالية وأن مراقبة خطاب وأداء الحزب بين العام 2011 و2016، ولا سيما بعد التطورات في العالم العربي والدور المتزايد للحزب خارج لبنان، يؤكد على أن الحزب قد عاد الى روحية الخطاب الذي كان سائدًا في مراحل التأسيس الأولى”.
يكفي لاكتمال الصورة الواردة عن العلاقة السببية المسببة بين الفناء والدمار وبين النمو و”الانتصار” ان نعود الى ما شاهده وسمعه اللبنانيون من لسان الامين العام للحزب نعيم قاسم من غيبيات مسندة بالنصوص الدينية الالهية مضاف اليها ما كان قد كشفه قاسم نفسه من ثوابت ملزمة منذ النشأة وحتى اللحظة في كتابه “حزب الله-النهج، التجربة والمستقبل”، والذي ترافق مع مشاهدتهم بأم العين منازل ومستشفى ميس الجبل تدمر بلحظة واحدة، كما ترافق مع تحذيرات الاخلاءات من الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية قبل موجات التدمير المستمر الممنهج، لتعيدنا المشاهد بالذاكرة الى حزب البدايات في الخطف وقتال المقاومين اللبنانيين قبل الاسرائيليين والى كلمة الرئيس نبيه بري في 4 كانون الثاني 1990 في تأبين المقاوم القائد الأملي حسن حسين جعفر -ابو جمال اذ قال: “نقول انهم قتلوا لنا من القادة باسم المقاومة اكثر مما قتلت اسرائيل، فاسرائيل قتلت محمد سعد وخليل جرادي وهم قتلوا داود ومحمود وحسن ومحمد حمود ومحمد جزيني قائد المقاومة، واليوم ابو جمال قائد القوات النظامية والمسؤول العسكري لحركة امل وقائد المقاومة في ان معا”.