باتَ جلياً أن ثمة حركة اصطفافاتٍ سياسية لا مثيل لها، وأن تداعيات الحرب بين إسرائيل وحزب الله ستُنتجُ واقعاً سياسياً مغايراً عما كانت عليه التحالفات قبل اندلاعها، وما كلام رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل وانتقاداته لحزب الله، سوى مؤشر لهذا الواقع المستجد، وإن كان باسيل يمتازُ بالمناورة السياسية وعدم المصداقية، أضف إلى أنه يسعى لشعبوية مسيحية والوصول إلى حل ينتشله من العقوبات الأميركية المفروضة عليه، وقد يكون بهذه المواقف يُقدّمُ أوراق اعتماده لواشنطن، عبر مهاجمته لحزب الله الذي أوصل له إلى الندوة النيابية عدداً كبيراً من نواب كتلة “لبنان القوي”.
في هذا السياق، اللافت عودة العلاقات الأميركية مع رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي السابق وليد جنبلاط، بعدما ذهب بعيداً إلى حزب الله وخرج من تنظيم الخلاف معه، وصولاً إلى التحالف، لا بل أنه في إحدى المرات طالبَ الحزب بالردّ على إسرائيل، وتلقّى برقية من أمينه العام الراحل حسن نصر الله، عبر المعاون السياسي الحاج حسين خليل تُشيدُ بمواقف جنبلاط، إلى برقية أخرى من قائد حركة حماس يحيى السنوار قبل مصرعه للغاية عينها، لكن هذا الأمر تركَ انزعاجاً لدى دول الخليج لاسيما السعودية من مواقفه، وبعدها وصلته أكثر من رسالة في هذا الإطار.
وبعد التحوّلات في الميدان وسواها، بدأ جنبلاط يتحدثُ عن ضرورة فصل مسار غزّة عن الجنوب، ومن ثم الدعوة إلى الحياد والعودة إلى إتفاق الهدنة، وتوّجَ كل هذه المواقف باستقباله السفيرة الاميركية في لبنان ليزا جونسون، حيث أشارت معلومات لموقع lebTalks الى أن مساعي بُذلت لتقريب وجهات النظر بين عوكر وكليمنصو أدّت إلى الزيارة، خصوصاً بعد تراجع جنبلاط عن مواقفه التي تركت استياءاً أميركياً وخليجياً، لكن “سيد المختارة” قد يكون قرأ الواقع الحالي، بعدما أخطأ في الحسابات ميدانياً وسياسياً، ما دفعه للخروج عن هذه السياسة بفعل التقارب الذي حصل مع حزب الله وحركة حماس، لكن من دون أن يعني ذلك احتضانه للنازحين، على خلفية أنهم يُعتبرون بمثابة “الوديعة” عند رئيس مجلس النواب نبيه برّي، الذي يُعَدُّ من أبرز حلفاء جنبلاط، وقد أوصاه بموضوع النازحين والاهتمام بهم شاكراً إياه على مواقفه.