أثبتت الساعات الماضية بما لا يقبل الشك أن اغتيال الناشط السياسي الأميركي اليميني شارلي كيرك ليس عملاً ثانوياً أو اعتداءً عابراً، بل إن هذا الاغتيال ستكون له تداعيات ضخمة داخل الولايات المتحدة وخارجها. وقد تزامن اغتياله مع مرور ثلاثة أيام على قصف إسرائيل للدوحة مستهدفة قادة حماس، ومع الالتباس الذي تسببت به مواقف واشنطن من الاعتداء وتوقيته ونتائجه.
دعونا بداية نشير إلى أن اغتيال شارلي كيرك ليس اغتيالاً عادياً: فغضب الرئيس دونالد ترامب وتهديده بالاقتصاص من "الفعلة ومن يقف وراءهم"، وإعلان الحداد الوطني في الولايات المتحدة ثلاثة أيام، وتنكيس العلم الأميركي عن كافة مراكز ومؤسسات الدولة، والقبض السريع على الفاعل؛ كلها مؤشرات تدل على تحولات جذرية في أميركا. وقد سبق للرئيس ترامب أن أعلن منذ أيام معدودة عن تحويل اسم وزارة الدفاع إلى وزارة الحرب.
كل هذه الأحداث في الولايات المتحدة تترافق مع استنفار أوروبي عام ضد روسيا، خصوصاً بعد خرق مسيّرات موسكو لأراضي بولندا بالأمس وما أثاره هذا التصرف من غضب أوروبي ينذر بوقوع مواجهة مباشرة بين الأوروبيين والروس. سيّما أن لبولندا رمزيتها في الذاكرة الأوروبية الجماعية للحرب العالمية الثانية وكيفية سقوطها، وهو ما أدى إلى احتلال أدولف هتلر أوروبا بأكملها. فضلاً عن الصراع المحتدم بين الروس والأوكرانيين، الأمر الذي ينذر بعواقب لن تبقى محصورة في القارة الأوروبية، بل قد تتعداها في تعقيداتها وتداعياتها لتطال الشرق الأوسط المتخبط أصلاً بأزماته، وهو على أبواب إعادة تشكيل كبيرة يديرها حالياً – ومرحلياً – رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي اقتربت نهاية دوره السياسي، وهو متعهد "الأعمال القذرة" إلى أن يسقط مع سقوط النظام الإيراني في نهاية المطاف. وسيكون لذلك تأثير مباشر على المنطقة ككل بعد انتهاء التخادم الوجودي بين النظام الإيراني وحكم اليمين الإسرائيلي المتطرف، الذي استفاد من النظام الإيراني لتبرير صعوده. ما يعني أن سقوط النظام الإيراني سيجرّ سقوط اليمين المتطرف في إسرائيل، والعكس صحيح.
بالعودة إلى جريمة اغتيال شارلي كيرك، فإن هذا الاغتيال يتجه بخطى سريعة للتحول إلى صاعق لتفجير غضب جمهوري ترامبي ضد نوعين من أعداء الجمهوريين:
• اليسار الأميركي المارق والمتمثل بالحزب الديمقراطي في جوهره الأساسي.
• التيارات العقائدية الدينية الإسلاموية المتطرفة.
وهنا يكمن الأساس المطلوب التصدي له.
وبالتالي، فإن احتمالات التصادم الداخلي في الولايات المتحدة قائمة في ظل حزم الرئيس ترامب واستعداده لمواجهة "أعداء الداخل".
إدارة الرئيس ترامب ومعه الجمهوريين تنتقل شيئاً فشيئاً نحو التشدد في السياسات.
ويبدو من المعطيات الجيوسياسية والدبلوماسية المتوفرة أن واشنطن لم تعد قادرة على تحمّل الفوضى في الشرق الأوسط. ومن أجل ذلك، تريد إنهاء الملفات العالقة في المنطقة للتفرغ لمواجهة الصين وشرق آسيا بتحدياتها وتهديداتها. ومن بين تلك الملفات: ملف غزة ولبنان واليمن وصولاً إلى العراق، إضافة إلى الأذرع الإيرانية والإسلام السياسي السني المتمثل بالإخوان المسلمين وحماس وسواهم، والإسلام السياسي الشيعي المتمثل بأذرع إيران في المنطقة وعلى رأسها حزب الله.
لا حماس بعد اليوم في المعادلة الفلسطينية والإقليمية… كما لا مجال لاستمرار بنيامين نتنياهو وتطرّفه في الحكم. لكن واشنطن، المحتاجة له حالياً، قادرة على تحمّله لإنجاز "العمل الوسخ" فقط.
هذا المشهد الممتد من أميركا وأوروبا وصولاً إلى الشرق الأوسط الجديد، يحمل في طياته مخاطر كبيرة جيوسياسية وجيوستراتيجية، ليس أقلها مصير الاصطفافات الدولية التي تتبلور بين معسكر واشنطن وحلفائها في أوروبا، والتي قد تشهد تصاعداً في التورط الأميركي إلى جانب الأوروبيين في الحرب الأوكرانية، ما قد يضع واشنطن في مواجهة موسكو ومعسكر الصين وإيران ودول تابعة لهما، وهو ما سيضطره إلى مواجهة الأوروبيين والأميركيين.
وقد تجلت القمة الصينية – الروسية منذ أيام، والتي شاركت فيها إيران وكوريا الشمالية، كعلامة فارقة خطيرة لما يمكن أن تتجه نحوه خريطة العالم من صراعات وربما حرب عالمية جديدة.
لذا، لم يعد هناك وقت لترك منطقة الطاقة والوقود والممرات المائية والثروات تحت رحمة أنظمة مارقة وميليشيات متفلتة، إذ المطلوب فرض حالة استقرار في المنطقة تمهيداً للتوجه نحو المواجهة الكبرى في شرق آسيا مع الصين.
اغتيال شارلي كيرك مؤشر وإشارة انطلاق لتسريع المشروع الجمهوري في أميركا داخلياً وخارجياً، حيث تبقى كل الاحتمالات مفتوحة في الداخل الأميركي كما في الخارج.