تعود مسألة التفاوض غير المباشر بين لبنان وإسرائيل إلى الواجهة مجدداً، بعد الموقف الذي أعلنه رئيس الجمهورية جوزاف عون خلال لقائه وفد نقابة المحررين في قصر بعبدا، حيث شدد على أن لبنان ينتظر الرد الإسرائيلي عبر الوساطة الأميركية بشأن خيار الانخراط في مفاوضات تهدف إلى تحرير الأراضي اللبنانية المحتلة.
الرئيس عون لفت إلى أن منطق القوة لم يعد يجدي نفعاً، وأن المرحلة تتطلّب التمسك بقوة المنطق، في إشارة فُهمت على نطاق واسع بوصفها تحولاً في المقاربة اللبنانية الرسمية تجاه الملف الحدودي وربما في مقاربة العلاقة مع حزب الله أيضاً.
موقف غامض
بحسب مصادر سياسية مطلعة تحدثت إلى منصة LebTalks، فإن الموقف الإسرائيلي لا يزال ملتبساً حيال فكرة المفاوضات، فبينما يعبر لبنان الرسمي عن انفتاحه على أي مسار سلمي يضمن حقوقه السيادية، تبدو تل أبيب في حالة تردد، لا سيما في ظل تصاعد المخاوف من احتمال توسع رقعة المواجهة على الجبهة الشمالية.
تفيد المعلومات بأن الرسائل التي نقلها الموفدون الدوليون إلى بيروت في الآونة الأخيرة لم تكن اعتيادية، إذ تضمنت إشارات واضحة إلى معطيات أمنية دقيقة تتطلب من السلطات اللبنانية أعلى مستويات اليقظة والحذر.
بين التهدئة والمناورة
على السطح، قد توحي مواقف إسرائيل برغبتها في التفاوض لتهدئة الأوضاع على الحدود مع لبنان، لكن القراءة العميقة للمشهد الإقليمي تبين أن التهدئة ليست سوى وسيلة للوصول إلى صفقة أوسع.
فإسرائيل، وفق تقديرات المصادر نفسها، تسعى إلى ترتيب أمني طويل الأمد يشمل ضمان أمن حدودها الشمالية، وإقامة منطقة عازلة، فضلاً عن نزع سلاح تنظيم حزب الله، وهو المطلب الذي يتكرر في كل مقاربة إسرائيلية لأي تفاوض محتمل.
مرحلة التسويات
وتقول جهات ديبلوماسية لموقعنا، أن المنطقة تشهد اليوم تحولاً نحو منطق التسويات بعد عامين من النزاعات الممتدة، إذ تعمل واشنطن على إعادة ترتيب الأولويات الإقليمية من غزة إلى سوريا فلبنان.
بالتالي، لن تأتي الموافقة الإسرائيلية بمعزل عن التوجه الأميركي، فصانع القرار الحقيقي في هذا الملف هو البيت الأبيض، الذي يسعى إلى ربط المسارات التفاوضية بعضها ببعض، بحيث تكون الساحة اللبنانية جزءاً من صفقة شاملة تمتد من طهران إلى غزة.
وتضيف: لبنان اليوم يقف أمام فرصة دقيقة ومعقدة في آن معاً، فهو من جهة يدعو إلى حوار يضمن سيادته واستقراره، ومن جهة أخرى ينتظر الرد الإسرائيلي الذي قد لا يأتي قريباً، إذ يرتبط بإيقاع إقليمي أوسع تتحكم به واشنطن، وتُرسم معالمه في غرف مغلقة بين القوى الكبرى.
في النهاية، وبين منطق القوة وقوة المنطق، يبقى السؤال مفتوحاً، هل ترد إسرائيل قريباً على مبادرة لبنان، أم تنتظر لحظة التفاوض الكبرى التي تعيد رسم خرائط النفوذ في المنطقة بأسرها؟