ملف استرداد مالك سفينة روسوس أو "سفينة الموت" التي أدى انفجارها الى سقوط عشرات الضحايا بين قتيل وجريح وتدمير ما يقارب ثلث مساحة العاصمة بيروت بات يسير راهناً وفق خطين متوازيين: خط قانوني وآخر ديبلوماسي وذلك بين بلغاريا ولبنان بعدما أوقفت السلطات البلغارية مالك السفينة الروسي إيغورغريتشوشكين في صوفيا مطلع الشهر الحالي بناء على نشرة حمراء صادرة عن الانتربول الدولي منذ العام 2020.
تأكيد وجود معاهدة استرداد ثنائية بين بلغاريا ولبنان يخوّل الأخير استرداد الموقوف لاستجوابه من قبل المحقق العدلي القاضي طارق البيطار وهو ما قد يقلَبُ المعادلة القانونية لناحية أهمية الاستماع الى إفادة المالك سواء لجهة مكان إبحار السفينة والوجهة المقصودة ومالك أو مالكي الحمولة أي نيترات الأمونيوم ومسارها من نقطة الانطلاق حتى دخولها رسوها في مرفأ بيروت، لكن وجود اتفاقية قانونية بين بلغاريا ولبنان لا يضمن التسليم التلقائي إذ يجب أن تتوافر شروط وإجراءات على الجانبين متابعتها ليتمَّ التسليم ومنها وجود جريمة يُعاقَب عليها في البلدين، إضافة الى عنصر توافر الأدلة والالتزام باحترام حقوق الإنسان وضمانات قانونية أخرى، كل ذلك يعني أن هناك مساراً ديبلوماسياً يجب اتباعه في هذا السياق، وهو ما قام به وزير العدل عادل نصار الذي استدعى سفير بلغاريا لدى لبنان ياسين موتوف وتم الاتفاق معه على التنسيق القضائي والديبلوماسي لطلب التسليم الذي أحاله نصار الى وزارة الخارجية.
وبالتلازم بين المسارين، برزت "عقدة" لا تزال غير واضحة المعالم وحتى غير صريحة وهي رفض روسيا تسليم مواطنها الموقوف في بلغاريا لاعتبارات خاصة بها، علماً أنه لا وجود حتى الآن لأدلة موثوقة علنية تؤكّد بأن روسيا تمارس ضغوطاً رسمية لمنع تسليم قبطان السفينة إلى لبنان، لكن هناك تصريحات واضحة من الجانب الروسي تشير إلى أن الدستور الروسي يمنع تسليم مواطنيه بناء لطلبات تسليم من دول أجنبية، ففي كانون الثاني من العام 2021، أوردت النيابة العامة الروسية في بيان أن إيغور غريتشوشكن (مالك السفينة) وبوريس بروكوشيف (قبطانها)، كونهما مواطنيْن روسيين، ليسا قابلين للتسليم بحسب القوانين الروسية القائمة.
أما بلغاريا فقد أعطت لبنان مهلة 40 يوماً لإرسال طلب التسليم وفق القانوني البلغاري، ما يعني أن العد العكسي قد بدأ بالنسبة الى لبنان وبقي من الأيام الأربعين نحو 32 يوماً تُحتسب من تاريخ التوقيف.
اذا كان الدستور الروسي ينصّ على أن المواطنين الروس لا يمكن تسليمهم لدول أخرى إلا في حالات خاصّة قد تتطلب قوانين وسياسات إضافية، فهذا يعني أنه حتى لو صدرت مذكرة توقيف دولية، فإن روسيا قد ترفض تنفيذها إذا طالب بها بلد أجنبي من دون ضمانات أو مسارات قانونية مقبولة، فالتسليم يعتمد على معاهدة استرداد قائمة بين الدول المعنية أو قوانين داخلية وفي حالة روسيا، يبدو أن القانون لا يسمح بتسليم مواطنيها بسهولة، وهي قد استخدمت هذا المبدأ في تصريحاتها عن حالة السفينة.
الآتي من الأيام سيكشف حتماً المسار الدولي والديبلوماسي الذي سيسلكه هذا الملف الذي ينتظر إحقاق العدالة منذ سنوات خمس.