أما وقد تأكد رسمياً موت زعيم فاغنر يفغيني بريغوجين في حادثة تحطم طائرته منذ أيام قرب موسكو، بات المطلوب إماطة اللثام عن العديد من الحقائق التي تمكنّا من خلال مصادر خبيرة من كشف ألغازها.
طبعاً لم يعد خفياً ومشكوكاً به واقع أن زعيم فاغنر كان على متن الطائرة التي تحطمت ومعه أقرب قيادات فاغنر وأكثرها خطورة، ولكن يبقى السؤال الأساسي مطروحاً حول حقيقة الروايات التي تصدر حول ظروف تحطّم الطائرة.
في هذا الإطار، يمكن التوقف عند الحقائق التالية :
- أولاً : يفغيني بريغوجين هو الوحيد الذي تجرّأ منذ نيف وشهرين على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين محاولاً الانقلاب عليه، وبالتالي يبقى الغموض سيد الموقف قانونياً لكن عكسه في السياسة لأن الرئيس الروسي استخدم في أول ردات فعله على هجوم بريغوجين عبارة " الخيانة " وعاد وأكد في حديث متلفز بعد فترة أن حدود تسامحه تقف عند الخيانة.
- ثانياً : في السؤال حول حقيقة ما حصل للطائرة التي كانت تقل زعيم فاغنر وهيئة أركانه، وبانتظار ما يمكن أن يُفصح عنه الصندوق الأسود الطائرة، بإمكاننا التوقّف عند الآتي :
أ - للمنطق أحكامه وللتحليل الجنائي والفني برهانه، ولذا يمكن وبالاستناد الى الرادارات وارتفاع الطائرة وطريقة السقوط والارتطام ما يفنّد فرضية سقوط الطائرة لا بل إسقاطها .
ب- سيناريوهات السقوط ثلاثة لا رابع لها : إما خلل فني أو ضربة بصاروخ أو تفجير من داخل الطائرة.
ج- طائرة فاغنر هبطت في دمشق للتزود بالوقود آتية من أفريقيا قبل أن تكمل تحليقها نحو روسيا،
ووفق بيانات تتبّع الرحلات الجوية فإن طائرة بريغوجين لم تشر الى وجود أي مشكلة حتى هبوطها العمودي الحاد آخر ثلاثين ثانية من رحلتها، حيث هبطت الطائرة أكثر من ثمانية الآف قدم من المسار التي كانت عليه بارتفاع ثمانية وعشرين ألف قدم.
د- إنقطع من ثم الاتصال بين الطيار والطائرة واختفت عن الرادار بطرفة عين، ويبدو أن بيانات الرحلات الجوية تتوافق تماماً مع ما أظهره المقطع المصوّر للطائرة أثناء هبوطها بسرعة ومقدمتها باتجاه مستقيم تقريباً نحو الأرض وتصاعد عمود دخان خلفها.
ه- اذا أخذنا باحتمال حصول الخلل الفني ناتج عن أي سبب الكتروني أو كهربائي أو ميكانيكي بحيث تبدأ الطائرة بفقدان التوازن والسيطرة ثم السقوط، ففي حال الخلل الكهربائي يمكن رؤية الدخان أولاً قبل السقوط. ووفقاً لسيناريو الخلل الفني، لا يمكن فقدان الطائرة عن شاشة الرادار فوراً وهذه لم تكن حال طائرة بريغوجين كونها اختفت بطرفة عين.
وأيضاً الخلل الفني لا يقطع الاتصال مع قائد الطائرة، وبحسب بيانات المواقع المتخصصة تفيد بأن الاتصال قُطع كما أن الصور على ذيل الطائرة بعيداً عن بقية الحطام بثلاث كيلومترات يُضعف احتمالية الخلل الفني.
و - باستحالة انطباق سيناريو الخلل الفني، ننتقل الى سيناريو أو فرضية الضربة الصاروخية أو الإسقاط بصاروخ، وفي هذا الموضوع يمكن للشركة المالكة للطائرة التقاط صورة لصاروخ وبثه مباشرة لحفظه في بيانات الشركة، الأمر الذي يحتاج الى وقت قبل الإفراج عن مثل هذه المعلومات من أي جهة، فضلاً عن أن إسقاط الطائرة بصاروخ أرض عادة يؤدي الى تحطّم الطائرة فجأة في السماء حيث لا تسقط إلا قطعاً متناثرة وليس ككتلة واحدة كما سقطت طائرة بريغوجين وبشكل عمودي.
أما في موضوع الاستهداف بصاروخ فهناك حالتان : إما إسقاط جسم الطائرة، وفي هذه الحالة تتناثر الطائرة قطعاً في السماء، وإما استهداف الصاروخ جناح الطائرة ما يؤدي الى سقوطها بشكل عمودي وحاد،
رغم أن شهود عيان قالوا إنهم شاهدوها تسقط وقد فقدت جناحها، لكن خبراء أكدوا أن تحليق الطائرة على ارتفاع ثمانية وعشرين ألف قدم يقودنا الى نوعية الصاروخ الذي يُفترض استخدامه، إذ إن الصواريخ القصيرة المدى لا يمكن أن تصيب على هذا الارتفاع، ما يعني أن فرضية الصاروخ تستدعي أن يكون متوسطاً أو بعيد المدى، وبالتالي فإن الحديث يدور حول صواريخ "سام " الكبيرة التي يمكن أن تصيب الطائرة في علوها وتفجرها، علماً أن الأمر عندها لن يقتصر على إصابة الجناح كما رأى الشهود بل إصابة الطائرة برمّتها.
ز - الفرضية الثالثة وهي الأكثر إثارة للاهتمام، تتحدث عن أن سقوط الطائرة كان مدروساً ومدبّراً ومخطّطاً ومنفذاً عبر زرع حشوة متفجرة، ومع الأنباء المتواترة عن مرور الطائرة بدمشق فإن زرعها هناك يبدو ممكناً، وهنا لا بد من التوضيح بأن طريقة سقوط الطائرة تعتمد على كمية الحشوة المتفجرة أو العبوة الناسفة أو القنبلة ومكان وجودها وقدرتها التفجيرية،
فيكون مجال التدمير عندئذ متراوحاً بين تحطيم الطائرة أو إحداث فجوة بجسمها مع قوة التفجير، بعدها يتعطل كل شيء وتنقطع الاتصالات وتختفي عن الرادارات كما حصل لطائرة بريغوجين تماماً، فتفقد الطائرة التوازن وتبدأ بالسقوط العمودي ولكن بأسرع من السقوط نتيجة خلل فني.
ووفقاً للخبراء، فإن الصورة الأولية والفيديوهات التي نُشرت لسقوط طائرة بريغوحين تؤكد بدايةً أن السقوط كان مدبّراً، وأن الخلل الفني مستبعداً، كما أن التفجير الداخلي هو الفرضية الأقرب الى منطق الأمور، خصوصاً وأن سقوط الطائرة يشي بأن محترفين على مستوى رفيع قاموا بزرع القنبلة ووزنها ووضعيتها وتوجيهها، كون كل هذا يحتاج الى حسابات دقيقة لا يعرفها الا المتخصصون، بحيث لا تؤدي لتناثر الطائرة حطاماً بل يُكتفى بوضع القنبلة قرب الذيل أو الجناح، ما يؤدي الى اختلال التوازن وبدء السقوط .
- ثالثاً : هكذا يمكن الجزم ورغم عدم انتهاء التحقيقات الرسمية مع السلطات الروسية والمحتمل دائماً أن لا تُنشر نتائجها أو أن تُنشر مجزأة وغير شفافة بأن طائرة يفغيني بريغوجين فُخّخت على الأرجح في مطار دمشق أثناء هبوطها للتزود بالوقود، ما مكّن مندسين مأجورين من زرع العبوة القاتلة في مكان حساس من الطائرة لتفجيرها في الجو والتأكد من قتل جميع الركاب من على علو مرتفع جداً .
يبقى معرفة مَن أمرَ بقتل بريغوجين ؟
كما أسلفنا فإن المستفيد الأساسي حتى الآن هو الرئيس فلاديمير بوتين نظراً لمخلّفات تمرّد بريغوجين عليه ووصف بوتين لحركته وله بالخيانة.