أثارت تصريحات الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، قبل أيام، بشأن ضرورة التفاوض مع الولايات المتحدة وأوروبا لمنع اندلاع الحرب مجدداً وصدّ هجمات أعداء الجمهورية الإسلامية على المنشآت النووية الإيرانية، جدلاً واسعاً. وانتقدت بعض وسائل الإعلام المحسوبة على الحرس الثوري الإيراني بزشكيان، متسائلة عن جدوى الإدلاء بمثل هذه التصريحات على منابر عامة، إذ قد تُفسَّر على أنها تعبير عن الضعف والخوف.
ومع ذلك، أكّد الرئيس الإيراني في التصريحات ذاتها أنه لا يتخذ أي قرار من دون تنسيق مع المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، معرباً عن أمله في ألا يعيق الآخرون تنفيذ القرارات المتخذة.
وتأتي هذه التصريحات في وقت توقّفت فيه المفاوضات بين طهران وواشنطن عقب الحرب التي استمرّت 12 يوماً بين إيران وإسرائيل، فيما لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت هناك مفاوضات جديدة ستُعقد، أو الوقت الذي قد يحدث فيه ذلك. ولا تُبدي الولايات المتحدة حماساً لاستئناف المفاوضات، بينما اشترطت إيران دفع تعويضات وتقديم ضمانات بعدم تكرار الهجمات.
وفي الوقت نفسه، لا يخدم مرور الوقت مصلحة إيران، إذ هددت دول أوروبية بتفعيل "آلية الزناد" إذا لم تتوصل طهران وواشنطن إلى اتفاق، مما سيعيد العقوبات الاقتصادية على الجمهورية الإسلامية إلى مستوياتها قبل عقد من الزمن، وربما يزيدها شدّة. وعلى الصعيد نفسه، لم تتوقف التهديدات الإسرائيلية، إذ يواصل وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس تهديد خامنئي بالاغتيال، فيما يتوقع البعض أن تشهد الأسابيع المقبلة مواجهات عسكرية جديدة بين إيران وإسرائيل.
في ظلّ هذه الأجواء، يرى معارضو بزشكيان أنه لا ينبغي له الإدلاء بتصريحات أو اتخاذ مواقف قد تشجّع أعداء إيران على زيادة الضغوط.
ومن بين الرؤساء التسعة لإيران بعد الثورة الإسلامية، برز اثنان بخطاب ومواقف مختلفة عن الآخرين، إذ تحدثا بأسلوب شعبي وتجنبا اللغة الديبلوماسية والبروتوكولية. الأول كان محمود أحمدي نجاد، الذي بلغ ذروة شعبيته بعد عام 2005، وأدلى بتصريحات جريئة ومثيرة للجدل في المناسبات العامة، معلقاً على قضايا فنية ومتخصصة، وداعياً الجماهير إلى التصفيق، بل وأصدر تعليمات فورية لتنفيذ مطالبهم، كما سخر من البيروقراطية وهيئات الخبراء الحكومية، معتبراً أنها لا ينبغي أن تقيّد قرارات السياسيين، بل استهزأ مراراً بالعقوبات الأميركية واصفاً إياها بأنها غير مؤثرة على إيران. في المقابل، اعتبر معارضوه أن هذا الأسلوب كبّد البلاد تكاليف كبيرة.
وبعد نحو 15 عاماً، ظهر رئيس آخر من التيار الإصلاحي، المناوئ لتيار الأصوليين الذي كان داعماً لأحمدي نجاد، وهو مسعود بزشكيان. والمفارقة أن بزشكيان يشبه أحمدي نجاد في طريقة تصرفه وخطابه، إذ لا يلتزم اللغة الديبلوماسية أو البروتوكولات الرسمية، ولا يرتدي بدلة رسمية، بل يستخدم لغة شعبية. وفي إحدى خطبه العامة بكى متأثراً وهو يستذكر زوجته التي فقدها في حادث سير قبل سنوات، مما اضطره إلى التوقّف عن متابعة الخطاب. وقد أثارت هذه التصرفات تساؤلات في المجتمع الإيراني: هل بزشكيان سياسي بسيط وصريح وشعبي، أم أن استخدامه اللغة الشعبية استراتيجية مقصودة للتواصل مع الجماهير وكسب تأييدهم لتطبيق سياسات حكومته؟
وفي الإجابة عن ذلك، يمكن القول إن بزشكيان سياسي شعبي وصادق، لكنه ليس بسيطاً بأي حال. فقد تمكّن قبل عام، وسط التعقيدات السياسية في إيران، وبعد رفض أهليته للترشح للبرلمان قبل أشهر من مقتل الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي، من الوصول إلى قصر الرئاسة بذكاء وتسويق مغاير لنفسه، ليصبح الرجل الثاني في الجمهورية الإسلامية. ومع إدراكه التام لنفوذ خامنئي في هيكلية السلطة، يؤكد دوماً طاعته الكاملة له، مما يمنحه مساحة لاتخاذ مواقف وقرارات تثير غضب معارضيه، من أبرزها معارضته لقانون البرلمان الخاص بالحجاب الإجباري.
لكن مؤيدي بزشكيان يرون أنه إذا اقتصرت سياسته على مواقف شعبية من دون أن تفضي إلى قرارات مؤثرة، مثل رفع الحظر عن الإنترنت أو التفاوض لرفع العقوبات، فإن شعبيته ستتراجع تدريجياً، مما يمنح معارضيه فرصة أكبر لعرقلة مساره السياسي.