تكثر التساؤلات الحذرة حول موقف الصين مما يجري على الساحة الدولية ولا سيما الحرب الروسية - الأوكرانية وتداعياتها السياسية والإقتصادية والأمنية والعسكرية على مجمل التوازنات التي تحكم العلاقات الدولية .بدايةً، تجدر الإشارة إلى أن الصين ومنذ اندلاع الحرب في أوكرانيا، لم تقف ضد حليفها الروسي فلاديمير بوتين ولا دعمته، أقله علناً ما اعتبر موقفاً رمادياً ارتاحت له أوروبا وإن كانت الولايات المتحدة لم تهدىء خطاب تحديها بكين من الإعتداء على تايوان، وآخر تجلياته إستعار المواجهة الكلامية وحرب التهديدات والتوعّد بين واشنطن وبكين على هامش جولة الرئيس جو بايدن الأخيرة إلى دول آسيا.
في الواقع، تعتبر الصين أن علاقاتها مع الأميركيين هي علاقة تنافس كجزء من تغيير جيو سياسي وتاريخي، وما الإجراءات الديبلوماسية والإقتصادية والعسكرية ضدها إلا تجلياً لاستراتيجية أميركية لمنع الصعود السريع للصين على الساحة العالمية .
الحزب الشيوعي الصيني يضاعف انتقاداته للفشل الأميركي نتيجة ما يعتبره الصينيون خبثاً من انسحابهم من افغانستان، الى التوترات العرقية في الولايات المتحدة.في المقابل، تعاني الصين من نقاط ضعف ليس أقلها إيلاماً وخطورة ترهل الشعب وتزايد مستويات الإستدانة لدى المؤسسات والتفاوت الإقتصادي في الحظوظ و استمرار التصدي التايواني للأطماع الصينية كما في دول أخرى.ومع ذلك، تجهد بكين بتوظيف أدواتها لإثبات قوتها وإجبار جيرانها على الخضوع لأفضلياتها خصوصاً في مجال مطالباتها بالأراضي وبالمجال المائي وقضية تايوان، فبكين تمارس ضغطاً على تايوان لإجبارها على الوحدة معها وهي مستعدة لمواجهة أي تدخل أميركي أو حتى تعزيز للنفوذ الأميركي في تلك الجزيرة.من هنا، يُتوقع تصاعد الإحتكاكات بحسب وكالة الإستخبارات الأميركية هناك بالتزامن مع زيادة الأنشطة العسكرية الصينية حوالي الجزيرة وإصرار المسؤولين التايوانيين على الإستقلال لكن الخطورة بحصول مثل هذه الإحتكاكات هي أنها ستؤدي إلى زعزعة شبكات التموين العالمية بتكنولوجيا الأقراص الضوئية التي تتربع على إنتاجها تايوان. بموازاة تايوان، تتجه الصين إلى زيادة الضغط على اليابان لردعها في قضية الجزر المتنازع عليها بين البلدين في بحر الكورايل.
وعلى الرغم من كل تلك الإهتمامات والنزاعات تبقى الصين ثابتة في تعبيد مبادرتها المعروفة "بالحزام والطريق" لتوسيع حضورها الإقتصادي والسياسي والعسكري في الخارج واكتساب المزيد من التنوّع في المشاريع لتطوير صورتها وصورة المبادرة والتخفيف من الإنتقادات الدولية. الصين تبقى حتى الساعة التهديد الأبرز للمنافسة الأميركية تكنولوجياً في وقت تركز بكين على القطاعات الأساسية والتكنولوجيات التجارية والعسكرية الحصرية الموجودة لدى المؤسسات والشركات الأميركية وحلفائها .تضاعف الصين من استخدام التجسس والدعم المالي والسياسات التجارية لإكساب مؤسساتها الإنتاجية التقدم التنافسي في وجه الإقتصاد الاميركي رغبةً من منها في تزعم التطور التكنولوجي والبرامج الدولية،من هنا تزيد الصين من تعاونها الديبلوماسي والتكنولوجي وفي الدفاع مع روسيا الإتحادية لتحدي الولايات المتحدة، وهي تسعى لإنشاء جيش عالمي مرموق لحماية ما تعتبره أرضها السيادية وتثبيت أفضليتها في القضايا الإقليمية، بالإضافة إلى تقوية جيش التحرير الشعبي والذي تدعمه لمواجهة الولايات المتحدة في صراع طويل ومتشعب.الخلاصة أن الصين تمشي بين الألغام الأميركية سواء في حرب أوكرانيا أو في آسيا وهي لا تريد الدخول في صراع مباشر مع الولايات المتحدة، إلا أنها تريد مضاعفة منافستها في كل المجالات التكنولوجية والعسكرية مع واشنطن، وهي مصممة على ضم تايوان لكن ليس بالقوة ما لم تُجبر على ذلك، فيما الملف الأوكراني يعرقل مبادرة الحزام والطريق ولذا لا تريد حرباً في أوروبا .ويستمر الصراع بين الجبارين في لحظة يتداعى النظام العالمي التقليدي لحساب نظام جديد لا يزال مجهول المعالم .