تتفاعل الأوضاع في سوريا على وتيرة مرتفعة جداً ومتسارعة الأحداث والتطورات، وقبلة الأنظار تتجه نحو السويداء وثورتها المتصاعدة والتي بدأت تتخطى الداخل السوري لتصل الى واشنطن.
أحداث السويداء والمنحى التصعيدي
بدأت تلك الأحداث، ومن السويداء تأخذ منحى تصعيدياً خطيراً منذ لحظة إطلاق النظام السوري النار في فرع حزب البعث على الناس، وخروج الشيخ حكمت الهجري الى الناس الثائرة ليعلن الجهاد ضد الميليشيات الإيرانية ذات الأفكار التخريبية .
هنا بدأ النظام يصوّب على الشيخ الهجري من أبواق لبنانية وسورية تابعة للممانعة بتخوينه وتسقيطه واتهامه بالعمالة والانفصال بحيث أن هذا التصويب يُنذر بتعريض حياة الشيخ الهجري للخطر.
على الأثر، تلقى الشيخ الهجري اتصالاً من السيناتور الأميركي فرينش هيل لمعرفة ما يحصل في السويداء كرسالة واضحة من واشنطن بدعم الشيخ الهجري واعتبار أمنه الشخصي مسؤولية برقبة بشار الأسد شخصياً، والمعروف عن السيناتور هيل أنه عرّاب قانون الكابتاغون.
ما يمكن بداية تأكيده أن سوريا ورغم قلة متابعة الإعلام اللبناني المحلي باستثناء أعلام أبواق الممانعة وحزب الله، دخلت مرحلة الحراك الثوري والميداني الذي سبق لنا وتكلمنا عنه في أكثر من مقال بالتزامن مع بدء التحرّك الميداني بين التنف والبو كمال لإغلاق المعبر، لا بل المتنفّس الوحيد المتبقي لنظام الأسد وإيران وميليشياتها في الداخل السوري.
واشنطن على خط الثورة السورية انطلاقاً من السويداء
في الساعات الماضية، تحرّكت واشنطن على خط دعم الثورة السورية من خلال دعم الشيخ حكمت الهاجري، مرجع الدروز الروحي والسياسي في محافظة السويداء، والذي يقود ثورة أهالي السويداء ضد النظام وإيران وميليشياتها في سوريا، في الوقت الذي التقى فيه وفد من الجالية السورية في ولاية ميشيغان مسؤولاً كبيراً في الكونغرس الأميركي هو رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ السيناتور بوب مينيندز، حيث تركّز البحث حول قانون مناهضة التطبيع مع نظام الأسد لعام ٢٠٢٣، كما ناقش أفراد الجالية قضايا تمكين السوريين اقتصادياً في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري ودعم الحراك السلمي في السويداء جنوب سوريا.
السيناتور مينيندز أعرب عن أسفه لإضاعة الرئيس السابق باراك أوباما فرصة معاقبة الأسد عام ٢٠١٣ عقب استخدامه للسلاح الكيمياوي.
السويداء مستقلة تحت حكم ذاتي
وبالتزامن نشر مستشار الرئيس الأميركي السابق للشرق الأوسط عبر منصة اكس منشوراً يشير الى خطة الإدارة الأميركية بخصوص السويداء باتجاه إعلان السويداء منطقة مستقلة تحت حكم ذاتي من الدروز .
وبحسب هذه الخطة الأميركية، يمكن ربط حدود الأردن مع قاعدة التنف الأميركية وهضبة الجولان من ناحية إسرائيل، ومع كل هذه التطورات، تلقى الشيخ حكمت الهاجري اتصالاً من السيناتور فرينش هيل برسالة واضحة حول اهتمام واشنطن بسلامته، علماً أن
الهاجري في تواصل كبير مع جهات إقليمية ودولية والسيناتور فرينش هيل أحد تلك الجهات.
واشنطن من خلال التواصل بين السيناتور هيل والشيخ الهجري إنما توصل رسالة واضحة لنظام الإيرانيين وفلولهم، وعلى رأسهم حزب الله صاحب العمليات الوسخة لحساب إيران بأن أي استهداف أو سوء يحصل للهاجري يتحمّل مسؤوليته وتداعياته بشار الأسد شخصياُ، أي ترتب محاسبة دولية تشبه ما حصل في محاكمة قتلة الشهيد رفيق الحريري .
الأردن على خط الثورة في السويداء
معلومات استخباراتية كانت قد سرّبت منذ أيام حول استعدادات للنظام، بدعم من ميليشيا حزب الله، للقيام بعمل ما ضد السويداء لإخماد ثورتها ما أدى الى استنفار درزي إقليمي ودولي، قاطعاً الطريق أمام أي مخطط يستهدف الثورة والثوار والشيخ الهاجري أولهم.
الأردن من جهته على خط الثورة في السويداء، وثمة تواصل واتصالات بينهما، وقد اتخذت عمان القرار بالعمل منفردةً لضمان أمن المملكة من "وبال" بشار الأسد ونظامه بعدما استفحلت ظاهرة المسيّرات المحمّلة بالكبتاغون والسلاح التي غزت سماء الأردن، والتي أسقطتها القوات المسلّحة الأردنية، وقد قطعت عمان الأمل من تعاون بشار الأسد ومن تجاربه مع شروط ومراحل الانفتاح العربي، وقد كان الملك عبدالله أول المشجعين والداعمين، لا بل مهندس عودة سوريا الى شغل مقعدها في الجامعة العربية، ومع ذلك وصل الملك الى قناعة بعدم جدوى هذا الانفتاح وهذه النيّة الحسنة مع نظام رمى كل أوراقه ونفسه في أحضان إيران وتابعيها.
عمان لم تفتح الى الآن معبراً مع السويداء رغم التواصل لأن مثل هذه الخطوة تتطلب توافقاً دولياً خوفاً من إغضاب الإيرانيين والأسد، ومن هنا أهمية الحراك السوري في واشنطن ومواقف الشيوخ الأميركيين.
اللافت من متابعة التطورات تحرّك الشيخ موفق طريف، وهو مرجعية دروز إسرائيل الذي أقدم على خطوة مهمة بلقائه السفير الروسي في إسرائيل الذي زاره في دارة المشيخة فحمّله طريف رسالة الى بشار الأسد بأن لا يلجأ الى أي خطوة أمنية متهوّرة .
رهان النظام السوري على الوقت فشل
الثورة في السويداء مستمرة في شهرها الثاني من دون توقف، وقد بدأت مفاعيلها ونتائجها تنتقل من الداخل السوري الذي يشهد تلاقياً وترابطاً بين أبناء مختلف المناطق الخارجة عن سيطرة النظام وإيران من الشمال الشرقي مروراً بالشرق والتنف، وصولاً الى جنوب سوريا بين محافظتي السويداء ودرعا، الى الخارج الإقليمي والدولي الأرحب.
الشيخ حمود الحناوي انضم في الحراك الى الشيخ حكمت الهاجري في دعم الثورة، وقد أعلن أن الثورة مستمرة، وبالتالي فإن رهان النظام على الوقت فشل ولا بد له من أن يواجه حقيقة خسارته وانهزامه، الأمر الذي يزيد منسوب الخطر على الشيخ الهاجري خصوصاً بعدما دعى الى الجهاد ضد الإيرانيين ذوي الفكر التخريبي، بالإشارة الى محاولات إيران الفاشلة في تشييع الدروز.
انطلاقاً من مجمل هذه المعطيات يمكن التوقف عند الآتي :
- أولا : استهداف السنّة في سوريا طوال سنوات الحرب الأهلية بدعم وتغطية أميركية- روسية- إيرانية للنظام لن يتكرر مع الدروز على الإطلاق،
فممنوع تكرار نفس السيناريو ضد الدروز وبالتالي لن تُستفرد السويداء .
السويداء قبلة الدروز المقدسة
ثانياً : الدروز عموماً يعتبرون السويداء قبلتهم المقدسة وبالتالي لا نتوقع منهم أي تهاون أو تراجع عن حمايتها ودعمها من قبل أي درزي، سواء في سوريا أو لبنان أو إسرائيل، مع ما ينتج عن ذلك من تداعيات كبيرة من شأنها التأسيس لانقلاب دراماتيكي في المشهد السوري والإقليمي.
أبواق حزب الله دليل على المأزق في سوريا
- ثالثاً : مشاهد التصعيد السياسي والإعلامي لأبواق محور حزب الله في لبنان دليل قاطع على المأزق الذي يواجهه هذا المحور ونظام الأسد في الخروج من أزمة السويداء وتداعياتها عليهم، ما يعزّز فرضية تحرّك إيراني عبر حزب الله لمحاولة استهداف المحافظة والدروز أمنياً وعسكرياً، فيما النظام السوري لوحده متهالك وغير قادر على خوض هذه التجربة المكلفة جداً.
سقط "كارت" داعش في السويداء بضغط عربي على شكل نصيحة وجهت اليه بعدم اللعب بورقة داعش لما في ذلك من منح مبررات للأميركيين في التنف للتدخّل في السويداء، كما سقط "كارت" عامل الوقت أيضاً في مقابل تحركات دولية واتصالات مع المرجعيات الدرزية لإيجاد حزام أمان لاستمرار الثورة ومنع انحراف الأوضاع الى ما هو دموي.
السويداء بوصلة للأوضاع في سوريا
السويداء اذاً في قلب الإعصار والمواجهة مع النظام وإيران، وباتت البوصلة الطبيعية لما ستؤول اليه الأوضاع في سوريا برمّتها بالتزامن مع الاستعدادات الجارية على قدم وساق في الشمال الشرقي لنهر الفرات من إعادة هيكلة للحلف الأميركي- الكردي- العربي إثر المعارك الدامية الأخيرة بين الأكراد وبعض العشائر العربية المضلّلة في دير الزور وضواحيها، والاستعدادات لتنفيذ خطة الإطباق على الأسد شمالاً وشرقاً وجنوباً، كما سبق وشرحنا في مقالات سابقة منذ اأكثر من نيف وشهرين.