بوتين يسعى لتمديد معاهدة "نيو ستارت" لهذه الأسباب الاستراتيجية
ألمح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مؤخراً في تحول مفاجئ نسبياً، إلى استعداد بلاده لدعم تمديد معاهدة "نيو ستارت" للحد من الأسلحة النووية الاستراتيجية، التي ينتهي سريانها في فبراير 2026، لمدة عام إضافي.
جاء هذا التطور، وفقاً لتحليل كل من ستيفن سيمبالا، أستاذ العلوم السياسية في جامعة براندواين بولاية بنسلفانيا، ولورانس كورب، الضابط السابق في البحرية الأميركية والباحث في شؤون الأمن القومي بعدد من مراكز الأبحاث والجامعات الأميركية.
وصرح المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف بإنه إذا تم السماح بانتهاء العمل بمعاهدة ستارت الجديدة، "... نكون في الواقع على عتبة وضع يمكن أن نٌترك فيه بدون أي وثائق ثنائية تنظم الاستقرار والأمن الاستراتيجيين، وهذا وضع يكون بالطبع محفوفاً بمخاطر كبيرة من منظور عالمي".
وفي بيان صدر في 22 أيلول قال بوتين: "لكي نمنع انطلاق سباق تسلح استراتيجي جديد والحفاظ على درجة مقبولة من القدرة على التنبؤ والأنضباط، فإننا نعتبر أنه من المعقول الحفاظ في هذا الوقت المضطرب على الوضع الراهن الذي تأسس بموجب معاهدة ستارت الجديدة".
وبناء على ذلك، فإن روسيا مستعدة لمواصلة الالتزام بالقيود الكمية الرئيسية التي تنص عليها المعاهدة لمدة عام واحد بعد 5 شباط 2026.
وأضاف بوتين أنه "سوف يتعين على الولايات المتحدة أن توافق على تبني نفس السياسة بشأن الالتزام بقيود معاهدة ستارت الجديدة على عمليات النشر لمدة عام آخر".
وقال سيمبالا وكورب، في تقرير نشرته مجلة ناشونال انترست الأميركية، إنه يُفترض أن القيود المنصوص عليها بالمعاهدة سوف تشمل تلك القيود بشأن العدد الإجمالي للرؤوس الحربية والقاذفات التي ينشرها كلا الجانبان بموجب الحدود القصوى لمعاهدة ستارت الجديدة وهى 1550 رأسا حربيا و700 قاذفة.
كما أنحى بوتين باللائمة على الولايات المتحدة وحلفائها في تدهور الاستقرار الاستراتيجي، في إشارة واضحة إلى الدعم العسكري الذي يقدمه حلف شمال الأطلسي (الناتو) للمقاومة الأوكرانية ضد الحرب التي تشنها روسيا.
وأضاف وكورب أنه "يمكن أن يكون هناك عدد من العوامل وراء الاهتمام المفاجئ من جانب بوتين بالتمسك بالتزامات معاهدة ستارت الجديدة ".
أولاً، ربما دفع تغيير كامل في سياسة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن حرب أوكرانيا، بوتين إلى هذا الإعلان.
ففي الأمم المتحدة الأسبوع الماضي، أعلن ترامب أن انتصار أوكرانيا ممكن. وخلال الشهر الماضي، أرسل ترامب دفعات جديدة من الأسلحة التقليدية المتطورة إلى كييف، دفع ثمن الكثير منها حلفاء الناتو.
ثانياً، ربما ترغب روسيا في متسع من الوقت لمراجعة خططها الخاصة بالتحديث النووي الاستراتيجي في ضوء التكنولوجيات الناشئة الخاصة بالأسلحة الأسرع من الصوت، والطائرات المسيرة، والذكاء الاصطناعي والحرب السيبرانية، والليزر، والأسلحة التقليدية بعيدة المدى.
ثالثاً، ربما تتوقع روسيا ضغوطاً مالية على مواردها المتاحة لتحديث قدراتها النووية في المستقبل، مع الوضع في الاعتبار التهديدات الغربية بفرض عقوبات اقتصادية إضافية.
وهناك احتمال رابع أشار إليه بوتين في إعلانه وهو: اهتمام الولايات المتحدة بنظام دفاع صاروخي.
وفي أواخر حقبة الحرب الباردة، أثارت مبادرة الدفاع الاستراتيجي التي اقترحها الرئيس الأسبق رونالد ريغان قلقاً شديداً بين القادة السوفييت.
وكانت رؤية ريغان سابقة بسنوات على التكنولوجيا المتاحة إنذاك لإنشاء نظام دفاع صاروخي استراتيجي قابل للتطبيق والتشغيل، وقام الرؤساء اللاحقون بتعديل أهداف البرنامج الطموحة للغاية.
ومما لاشك فيه أن مشروع القبة الذهبية الذي اقترحه ترامب يثير مجدداً المخاوف الروسية بشأن الدفاع الصاروخي الأمريكي، لأن التكنولوجيا قد تطورت بشكل كبير منذ حقبة ثمانينيات القرن العشرين.
وقد تم تكليف البنتاغون بتطوير ونشر دفاعات صاروخية شاملة تتضمن صواريخ اعتراضية يتم نصبها في الفضاء قادرة على تتبع وتدمير الصواريخ الباليستية في مراحل التعزيز المبكرة أو ما بعد مرحلة التعزيز.
ووفقا لبوتين، فإن نشر الولايات المتحدة لنظام على غرار القبة الذهبية سيكون إجراء "يزعزع الاستقرار" سيؤدي إلى "نسف جهودنا للحفاظ على الوضع الراهن في مجال الأسلحة الهجومية الاستراتيجية". وفي تلك الحالة، سترد روسيا "بشكل مناسب".
ومن الواضح أن روسيا تريد وقتاً لتحديد المدى الذي تشكل فيه الخطط الأمريكية لتحديث المنظومات الهجومية والدفاعية ،تهديدا جوهرياً للردع النووي الاستراتيجي الروسي.
من ناحية أخرى، تحترم روسيا الإمكانيات العلمية والتكنولوجية الأميركية وقدرتها على تلبية توقعات المخططين الدفاعيين وتأسيس قدرات جديدة للمنافسة العسكرية في الفضاء.
وتابع المحللان أن التنافس مع الصين ، التي أشارت إلى نواياها للتفوق على الولايات المتحدة في مجال الفضاء التجاري والعسكري، يعد أيضاً دافعاً وراء برنامج فضاء عسكري أميركي طموح.
كما تطمح الصين إلى أن تصبح قوة نووية عظمى ثالثة إلى جانب الولايات المتحدة وروسيا.
ويشكل التعاون العسكري بين روسيا والصين ضغطاً إضافياً للعمل على تحديث القوات النووية الاستراتيجية الأميركية، إضافة إلى البحث والتطوير في مجال الدفاعات الاستراتيجية المضادة للصواريخ.
ووسط هذه التحديات السياسية والتكنولوجية، يمكن أن تتفق الولايات المتحدة وروسيا، ويجب عليهما ذلك، على الوسيلة المعقولة لتمديد معاهدة ستارت الجديدة لمدة عام خر.
وتتمثل إحدى القضايا في إعادة تطبيق بروتوكولات المراقبة والتحقق التي جمدتها روسيا في عام 2023 عندما علقت رسمياً مشاركتها في المشاورات بشأن معاهدة ستارت الجديدة، بينما أعلنت في الوقت نفسه أنها ستواصل الالتزام بالقيود الكمية الخاصة بالأسلحة والقاذفات المنصوص عليها في المعاهدة.