كما سبق وأُعلن، عُقدت في الرياض اجتماعات اللجنة الأميركية الاستراتيجية برئاسة روبيرت مالي، المسؤول عن ملف التفاوض النووي مع إيران و دول مجلس التعاون الخليجي، وبعد أيام من المباحثات، صدر بيان على جانب كبير من الأهمية والخطورة أبرز ما تضمنه النقاط الآتي :
١- تحقيق الأمن والاستقرار الإقليمي في ظل الشراكة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، ما يعني تجسيد عملي لعودة الشراكة العسكرية والأمنية والاستخباراتية بين واشنطن وعواصم القرار الخليجي إنفاذاً لوعود الرئيس جو بايدن بعدم ترك الخليج في مواجهة إيران و"لقمة" في فم الصين والروس.
٢- إدانة سياسة إيران المستمرة في زعزعة الاستقرار ودعمها الإرهاب وتصنيع الصواريخ والمسيّرات والأسلحة واستخدامها، ما يعني توحيد الرؤية الأميركية- الخليجية تجاه الخطر الإيراني الداهم، واعتبار إيران مصدر الخطر والزعزعة للمنطقة من خلال دعم المنظمات والتنظيمات الإرهابية والميليشياوية، وبيع الأسلحة وتصديرها وتطوير الأنظمة الصاروخية الباليستية والمسيّرات الفتاكة.
٣- التعبير عن المخاوف بشأن التعامل العسكري المتزايد بين إيران وأطراف حكومية وغير حكومية وانتشار أسلحة إيران خارج المنطقة، في غمز من قناة التعاون الإيراني مع روسيا من خلال تزويد موسكو بالمسيّرات والأسلحة وبناء مصانع في روسيا لتقوية الترسانة الروسية في حربها في أوكرانيا ضد الناتو.
٤- تجاوز البرنامج النووي الإيراني الإحتياجات المدنية وتحوّله الى مصدر تفاقم خطير للتوترات الدولية والإقليمية، وهذا الإعلان يُخفي في طياته إقراراً أميركياً بتجاوز إيران الأغراض السلمية لبرنامجها النووي، كما كان يدّعي الغرب والإيرانيون على مدى أشهر التفاوض في فيينا. هذا الموقف الأميركي يشكّل اعترافاً بأن النووي الإيراني بات مصدر خطر وتفاقم للتوترات، أي أن واشنطن اططفت الى جانب الموقف الخليجي المدين للبرنامج والمتوجّس من خطره.
٥- الطلب من إيران تغيير موقفها على الفور، ما يضفي الطابع العاجل على طلب الأميركيين والخليجيين بما لا يدع أمام الإيرانيين مجالاً للمماطلة والتسويف في التعامل مع ملفها الإقليمي، خاصةً وأن المنطقة لا تحتمل المماطلة لأشهر والامور في المنطقة مرشحة لتصعيد كبير وغليان من الآن وحتى شهر حزيران المقبل.
٦- تنفيذ جميع قرارات مجلس الأمن بنقل الأسلحة والعتاد العسكري، ما يعني إعادة وضع إيران تحت الفصل السابع والمتوقع قبل حلول شهر تشرين الأول المقبل.
والأهم من هذا الإعلان على أهميته وخطورته الاستراتيجية والعسكرية والأمنية والسياسية، الحدث الذي سبق اجتماعات الوفد الأميركي مع الخليجيين وهو الإجتماعات التي عُقدت برعاية أميركية بين السعوديين والإسرائيليين، فبحسب وكالة "بلومبرغ" الأميركية جرت محادثات بين مسؤولين سعوديين وإسرائيليين بوساطة أميركية، تمهيداً لتقارب بين الطرفين على المستوى العسكري والاستخباراتي في ظل القلق السائد من تهديدات إيران.
ونقلت الوكالة عن مصادر مطلعة رفضت الكشف عن هويتها قولها إن "مسؤولين إسرائيليين وسعوديين عقدوا إجتماعات إستكشافية قبل المباحثات الأميركية والخليجية في الرياض."
وأضافت المصادر نفسها أنه "من المزمع أن تستمر المحادثات بين السعودية وإسرائيل في براغ بالتزامن مع مؤتمر ميونخ الأمني."
وقالت نائبة مساعد وزير الدفاع الأميركي للشرق الأوسط دانا سترول في الرياض، على هامش مباحثات بين أميركا ومجلس التعاون الخليجي بشأن ردع "تهديدات" إيران وعودة خطر تنظيم "داعش" إلى سورية والعراق "نعتقد أن تكامل مناطق أخرى والبدء في الجلوس على طاولة واحدة مع إسرائيل هو في مصلحة الاستقرار والأمن في المنطقة".
وبحسب موقع ميدل إيست نيوز، شهدت الأيام القليلة الماضية عقد اجتماعات إستكشافية بين مسؤولين سعوديين وإسرائيليين ركّزت على مسألة تطوير العلاقات الاستخباراتية والعسكرية، في ضوء تنامي المخاوف في الرياض وتل أبيب من إيران، لاسيما بعد دعم الأخيرة لروسيا في غزوها لأوكرانيا، بحسب ما كشفته شبكة “بلومبيرغ” الأميركية.
وقالت الشبكة في تقرير كتبه “سام داغر” و”فيونا ماكدونالد” إن الحكومة الإسرائيلية الجديدة، بقيادة “بنيامين نتنياهو” بدأت حراكاً لتكثيف المحادثات مع السعودية بدعم أمريكي.
غير أن الأرضية الأكبر لتلك المحادثات الآن هو القلق المشترك بين المملكة ودولة الإحتلال الإسرائيلي حيال إيران، وهي الأرضية التي يرى كاتبا التقرير إنها غير كافية لطرح عملية تطبيع طال انتظارها بين الرياض وتل أبيب.
ونقل التقرير عن ستة مصادر، رفضت الكشف عن هويتها، قولها إن الإجتماعات الاستكشافية بين مسؤولين سعوديين وإسرائيليين سبقت انعقاد مجموعة عمل مجلس التعاون الأمريكي- الخليجي الأخير حول الدفاع والأمن في الرياض.
وقال ثلاثة أشخاص إنه من المتوقّع إجراء مزيد من المباحثات بين مسؤولي البلدين في العاصمة التشيكية براغ، بالتزامن مع مؤتمر ميونيخ للأمن الذي بدأ يوم الجمعة في ألمانيا.
واعتبر الكاتبان أن "رأب الصدع التاريخي بين حليف الولايات المتحدة الرئيسي، إسرائيل، والمملكة العربية السعودية، أكبر إقتصاد في الشرق الأوسط، من شأنه أن يمثّل إعادة ترتيب مهمة للسياسات الإقليمية".
ومع ذلك، يقول التقرير إن إعادة ضبط العلاقات بشكل كامل قد تعتمد على اتفاق يتعلق بمطلب السعودية المعلن علناً والذي طال انتظاره لإنشاء دولة فلسطينية، على حد قول بعض المصادر.
ويبدو أن هذا أقل احتمالاً من أي وقت مضى راهناً، بسبب تصاعد العنف في الأراضي الفلسطينية المحتلة، والذي تزايدت وتيرته بعد عودة رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو” إلى السلطة، على رأس ائتلاف يميني متطرّف.
ويقول محلّلون إن السعودية قد يكون لديها شروط مسبقة أخرى، تتعلق في المقام الأول بالتزام موسّع ومتجدد من قبل واشنطن للمساعدة في مكافحة خطر إيران.
ولفت تقرير “بلومبرج” إلى نقطة أخرى الا وهي زيارة وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين الأخيرة إلى السودان وإحياء عملية التطبيع المتعثّرة مع الخرطوم، وهي عملية لم تكن لتتم من دون ضوء أخضر سعودي، حيث تُعدّ الرياض من أبرز الحلفاء المانحين للخرطوم.
وأضاف أنه كانت هناك مؤشرات أخرى على علاقة دافئة بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية قبل أداء “نتنياهو” اليمين الدستورية كرئيس للوزراء في شهر كانون الأول الماضي، حينما أجرى نتنياهو مقابلة مع قناة "العربية" المملوكة للسعودية وصف فيها تطبيع العلاقات بين الدول ذات الغالبية اليهودية والمسلمة بأنها "قفزة نوعية" من شأنها أن "تغير منطقتنا في طرق لا يمكن تصورها ".
وكان تشجيع السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي الأخرى على تبادل المزيد من المعلومات الاستخباراتية ودمج الدفاع الجوي والصاروخي والأمن البحري مع بعضها البعض والولايات المتحدة هدفاً رئيسياً للمحادثات التي عُقدت في الرياض هذا الأسبوع، ومن شأن ذلك أن يساعد في مواجهة إيران التي دعمت غزو روسيا لأوكرانيا، فيما ولي العهد السعودي الأمير "محمد بن سلمان" ربما يلوّح بالتطبيع مع إسرائيل كوسيلة لتحسين العلاقات مع الولايات المتحدة، بينما يمكن لـ”نتنياهو” تسويق الأمر كمكسب سياسي لتجنب المشاكل في الداخل.
مهما يكن من أمر، فإن الأكيد أن ثمة دينامية جديدة في المنطقة قد انطلقت مع بيان الرياض الأميركي- الخليجي، وأن إسرائيل انخرطت في استراتيجية المواجهة الإقليمية ضد إيران من باب الدفع باتجاه التطبيع مع الرياض، لكن وفق الثمن الذي يضعه السعوديون في مقابل ما يصبو اليه الإسرائيليون،
بينما إيران ترد بعد ساعات على انعقاد الإجتماع الإميركي- الخليجي بهجوم نفذه الحرس الثوري على سفينة عبرية في الخليج العربي، فيما تردّد أن موسكو زوّدت إيران بمقاتلات مصرية.