بين الديمقراطيين والجمهوريين… هل تضيع أوكرانيا؟

Ukraine2

بقلم جورج أبو صعب

في واشنطن نقاش حاد وجدّي بين الديمقراطيين والجمهوريين حول الدعم الأميركي لأوكرانيا في مواجهة الهجوم الروسي.
الجمهوريون يأخذون على الرئيس جو بايدن وإدارته الديمقراطية توريط واشنطن في حرب روسيا في أوكرانيا، ويعتبرون أنه كان من اأفضل عدم التدخّل الى جانب أوكرانيا واﻻكتفاء فقط بتلبية طلب روسيا عدم انضمام أوكرانيا الى الناتو والالتزام بعدم زرع صواريخ الناتو في أوكرانيا، وهكذا كانت الحرب قد انتهت في مهدها وخلال ساعات قليلة.
الديمقراطيون يردّون بأن الحرب في أوكرانيا ليست موجهة ضد هذه الأخيرة بل هي حرب العالم الحرّ والديمقراطي وحقوق اإنسان ضد قوى الاستبداد والتوتاليتارية التي يمثّلها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
هذا النقاش الحاد بدأ يلقي بثقله على وتيرة المساعدات اأميركية أوكرانيا كما على نوعيتها، وفي هذا السياق جاء رفض الرئيس بايدن تزويد مقاتلات اف ١٦ أوكرانيا، وجاء اللقاء بينه وبين المستشار األماني أولاف شولز مؤخراً في واشنطن التي تريد من ألمانيا المساعدة على تلبية متطلبات الحرب لدى اأوكرانيين في التسليح الذي بدأ حمله يُثقل كاهل اأميركيين لدرجة تعذّر تزويد تايوان الى الآن بالعتاد والصواريخ النوعية الموعودة بالنظر للاستنزاف الكبير في مخازن التسليح الأميركي.
حجة الجمهوريين في رفضهم مساعدة أوكرانيا ﻻ تتوقف فقط عند مسألة عدم انضمام أوكرانيا الى الناتو بل وأيضاً في اعتبار أن لدى الوﻻيات المتحدة الكثير من الديون والمشكلات الداخلية ذات الأولوية الوطنية على ما تبقّى من ملفات خارجية وفي طليعتها الحرب في أوكرانيا.
ثمة مماطلة غربية حصلت مؤخراً في إيصال المعدات والدبابات الى كييف، ما يُقلق الأخيرة التي أُغدقت عليها الوعود الغربية السخية ما جعل الرئيس زيلينسكي يستبشر بوصول السلاح في الوقت المناسب.
الجيش الأوكراني يخطط لمعركة نيسان/ أيار المقبلين لاتخاذ المبادرة بالهجوم المضاد استكمالاً للتقدّم الذي كان قد سُجّل في شهر أيلول من العام الماضي، حيث انقلبت موازين الميدان لصالح اأوكرانيين حين بدأوا بتحرير أراضٍ في خركيف وضواحيها.
الصفقة المقبلة من التسليح تبلغ ٤٠٠ مليون دوﻻر أميركي لصالح الجيش الأوكراني، ما يعني وصول ما يكفي من سلاح للأوكرانيين، سلاح يكفي لتحقيق أهدافهم بالتحرير،
لذلك المطلوب من الجيش اأوكراني طوال شهر آذار الجاري الدفاع عن المواقع وأهمها باخموت التي تدور حولها وفي محيطها ملاحم صمود في مقابل استشراس روسي لاحتلالها.
الجمهوريون من جهتهم، يعتبرون أن الدعم اأميركي الضخم لكييف والذي بلغ حوالي ٣٤ مليار دولار جاء على حساب معالجة الركود اإقتصادي الذي تعيشه أميركا، وقد كان الأجدر أن تُصرف هذه الميليارات على اﻻقتصاد اأميركي بدل ذهابها الى أوكرانيا التي ﻻ مصالح أميركية مباشرة فيها،
فالأولوية للجمهوريين اهتمام الأميركي بنفسه أولاً، ثم أن الديمقراطيين بسياستهم في أوكرانيا إنما ساهموا في تقليب الصين على أميركا من خلال تشكّل جبهة صينية- روسية ضد الوﻻيات المتحدة اأميركية، ما يعتبرونه خطأ استراتيجياً وتكتيكياً جسيماً لن يخلو من تداعيات كبيرة، مذكرين الديمقراطيين بأن الوﻻيات المتحدة التي حاربت في كوريا خرجت عندما تدخّل الحزب الشيوعي الصيني لصالح الكوريين، ما أدى الى انسحاب اأميركيين من كوريا لمنع توسّع الحرب وتعمّقها أكثر مما كانت،
وبالتالي فإن الجمهوريين يعتبرون أن تدخّل الوﻻيات المتحدة الى جانب أوكرانيا أدى الى استعداء الصين الشيوعية، كما أدى بحسب رأيهم الى تجميع وتوحيد الشيوعيين الروس مع الشيوعيين الصينيين في جبهة واحدة، ما يهدد في حال توسّع الحرب من إلحاق خسائر فادحة في مصالح واشنطن والجيش الأميركي.
الجمهوريون يرون أنه لم يكن من الحكمة دعوة أوكرانيا للانضمام الى الناتو وهو ما تسبّب بنشوب الحرب الحالية.
الجمهوريون يعتبرون أيضاً أنه لم تعد وظيفة الوﻻيات المتحدة أن تقاتل في الخارج مع جنودها الذين أقسموا الدفاع عن وطنهم وليس عن وطن الآخرين، معتبرين ولو أنه ليس هناك من تدخّل للجنود الأميركيين مباشرةً في أوكرانيا الا أن معدات وأسلحة وصواريخ الجيش الأميركي في ميدان الحرب، سواء في أوكرانيا أو حتى في إسرائيل.
نائبة الرئيس الأميركي كمالا هاريس قالت في مؤتمر ميونيخ للأمن مؤخراً إن الحرب في أوكرانيا ليست موجهة ضد الأخيرة فقط، بل وأيضاً ضد الإنسانية تعبيراً عن النظرة الديمقراطية لتلك الحرب ولدور الوﻻيات المتحدة في مساعدة أوكرانيا.
الديمقراطيون يعتبرون أن دعمهم اليوم أوكرانيا هو دعم لقيمٍ، وقد يكون الدعم غداً ربما لدولة أخرى تتعرض لغزو من دولة جارة لها، وما المانع عندها كما لو طالبت يوماً روسيا بعودة ولاية اﻻسكا الأميركية اليها …؟
في خضم هذا الجدل الكبير في واشنطن وتداعياته، جاءت زيارة المستشار األماني أولاف شولز لواشنطن باأمس في لحظة خلاف أميركي- ألماني حول طبيعة الدعم أوكرانيا مع دخول الحرب عامها الثاني، فبالنسبة لواشنطن كان هناك موقف من إرسال مدرعات برامز الأميركية الى كييف قبل أن تعود واشنطن وتقرر إرسال هذه المدرعات لتلبية شرط برلين بعدم إرسال دبابات المانية الى كييف ما لم ترسل واشنطن تلك المدرعات.
مما ﻻشك فيه أن حرب أوكرانيا أعادت الزخم الكبير للناتو، وفي نفس الوقت أعادت اللحمة في العلاقات بين واشنطن وشركائها الأطلسيين، وقد ساهمت سياسة إدارة الرئيس جو بايدن في تحقيق هذا التقارب الذي تحوّل الى وحدة تنسيق وتعاون وتحالف في مساعدة أوكرانيا، اأمر الذي بطبيعة الحال لم يكن في توقّعات سيد الكرملين.
الصراع بين الجمهوريين والديمقراطيين في واشنطن على أشده وعلى أكثر من ملف وبخاصة الملف الأوكراني، لكن يبقى أنه طالما جو بايدن في البيت الأبيض فإن الحرب في أوكرانيا مستمرة مهما طالت كما قالها بنفسه الرئيس الأميركي أمام ضيفه الألماني، وبالتالي ﻻ شيء على المدى المتوسط يشي بقرب تغييرات جذرية في استراتيجية واشنطن لدعم كييف فيما كل اﻻحتمالات تبقى واردة في مسار ومصير الحرب في أوكرانيا وتداعياتها الإقليمية والدولية.

كثيرون قد يهلّلون لموقف الجمهوريين من عدم التدخّل في حروب الآخرين وتجنّب التورط الأميركي كإشارة الى نهج إيجابي يوقف الفكرة النمطية من حكم أميركا للعالم وفق مصالحها على حساب الدول والشعوب، لكن مَن قال من ناحية ثانية أن نهج الجمهوريين هذا يساعد الدول على حل خلافاتها بمعزل عن واشنطن طالما كانت واشنطن في أساس كل معادلات السياسات الدولية؟ فمَن كان مسؤولاً عن تعقيدات الملفات الدولية يحب أن يبقى مسؤولاً عن حلها وواشنطن منذ العام ٢٠١٤ تحمل مسؤولية وصول أوكرانيا الى ما وصلت اليه اليوم.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: