يشكّل منعطف الصراع الروسي - الأوكراني تأثيرات كبيرة إقليمياً ودولياً، على اكثر من ملف وإقليم وخريطة في المنطقة والعالم، إذ بعد التطورات الذي حصلت في اليومين الماضيين على الحدود الروسية – الأوكرانية، دخل الصراع الإقليمي الدولي في مرحلة استراتجية دقيقة وخطيرة، فما هي إنعكاسات ما جرى وسوف يجري على المنطقة عموماً ولبنان خصوصاً؟ وما الذي أوصل روسيا إلى إتخاذ هذه الخطوة اليوم بعد سنوات عديدة من المناكفات مع أوكرانيا؟ للاضاءة على هذه الاسئلة، كان لموقع LebTalks حديث مع الكاتب والمحلل السياسي جورج أبو صعب، الذي اعتبر ممهداً أن التطورات الأخيرة اثبتت بما لا يقبل الشك وجود اكثر من قطبة مخفية، واكثر من علامة استفهام حول مسار العلاقات الدولية، اعتباراً من احداث أوكرانيا.واشار أبو صعب الى عدد من الملاحظات، التي يمكن التوقف عندها في هذا المجال، أولا، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حقق هدفاً مباشراً في ملعب المعسكر الغربي (الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا ومعهما حلف الناتو)، بحيث نفذ ومن دون تردّد خطوة لطالما كان يخشى منها، وهي الاعتراف بإستقلالية منطقتيّ لوجنسك ودونيتسك وإنفصالهما عن دولة أوكرانيا، والخطوة تعتبر للوهلة الاولى مفاجأة، بأسلوبها وتوقيتها وظروفها، لكن إن عدنا إلى إتفاقية "مينسك" في العام 2014 واتطلعنا على بنودها، نرى البند الذي ينص بوضوح على منح لوجنسك ودونتسك استقلالية ذاتية محلية بإقرار وموافقة كييف، مع إجراء إنتخابات مبكرة فيهما، وبالتالي فإن موضوع الإعتراف الروسي بالمقاطعتين المذكورتين، ليس أمراً جديداً ابتكره الرئيس بوتين، بل يأتي في سياق ما كانت اتفاقيات "مينسك" تنص عليه"، وتابع ابو صعب:" ثانياً، ومع تغيّر السياسة الاميركية حول العلاقة مع روسيا، تغيّرت طريقة التعاطي مع ممارسات روسيا، وما يثبت ذلك هو الفرق في التعاطي بين 2014 عندما اقدم بوتين على اقتطاع شبه جزيرة القرم وسلخها من السيادة الأوكرانية، والذي لم ينل من المواقف الا الاستنكار والشجب، وبين موقف واشنطن اليوم الذي يعيد سياسة العداء لموسكو، بعد ان كان ترامب قد حوّل غضبه على الصين منفردة".
ولفت ابو صعب الى انّ روسيا تحاول اليوم إستغلال أحداث عديدة جرت في المنطقة، من اهمها الضعف الأميركي والإنسحاب "الكارثي" من أفغانستان، وقرار البيت الأبيض بالانسحاب من مناطق النزاع في الشرق الأوسط، إضافة الى نيّة واشنطن في إبرام اتفاق نووي جديد مع ايران "مهما كلف الامر"، وذلك بنيّة من الرئيس فلاديمير بوتين، لمحاولة إعادة إحياء مناطق حماية للأمن القومي الروسي، من خلال إستكمال ما بدأه في جزيرة القرم وجورجيا وجمهورية التشيك "، متأكداً أن الغرب لن يدخل معه في مواجهة عسكرية مباشرة، وفي نيّة أيضاً لإستعادة الدور الروسي كقطب دولي الى جانب الصين، ينافس الولايات المتحدة الأميركية عالمياً من خلال تسخين الأوضاع ومحاولة فرض أجندته على الغربيين المتراجعين والمسالمين.
إذا فالرئيس الروسي يضغط وما يريده في هذا الاطار بات واضحاً، أولا: إقامة حائط صدّ لمنع توسّع الناتو شرقاً. ثانياً: جعل أوكرانيا غير اهل للإنضمام الى الناتو، بإعتبار أن بروتوكولات الانضمام للمنظمة، تنص على ضرورة أن تكون الدولة التي تطلب الانضمام مكتملة السيادة، الامر الذي لا ينطبق حاليا على أوكرانيا.ثالثا: يريد بوتين توظيف خطواته من اجل التفاوض مع الناتو والولايات المتحدة الأميركية، على ضمانات امنية موثقة دوليا تراعي مطالب روسيا لتأمين امنها القومي، لذلك من المتوقع أن يزيد الرئيس بوتين في الأيام المقبلة ضغطه الميداني، وصولا الى الإيحاء بانه يهدّد بالحرب، ويحشد قوات عسكرية بأعداد كبيرة على الحدود، طمعاً منه بالحصول على تنازلات غربية، يراها بوتين ممكنة مع رغبة واشنطن في تحاشي التورّط في حروب إقليمية.اما في ما يخص تداعيات ما يحصل على المنطقة ولبنان، رغم أنّ ما يحصل يؤشر بوضوح على دخولنا مجددا في أجواء حرب باردة، ما قد ينعكس على ملفات المنطقة كافة ومنها لبنان، حيث لتقاطع المصالح الشرقية والغربية وجود، إلا أن دول الخليج وعلى راسها المملكة العربية السعودية، ليست متحمسّة للوقوف الى جانب البيت الأبيض الديموقراطي، الذي خذل حلفاءه التقليديين، تلك الدول التي اتجهت نحو الصين وروسيا بالذات، من اجل ضمان امنها ومصالحها الاستثمارية والاقتصادية التي تخلت واشنطن عنها، ولا حتى إسرائيل التي لا تريد الاصطفاف ضد روسيا والصين، فهي تقيم معهما علاقات استراتيجية واقتصادية واستثمارية ضخمة، لطالما طالبت واشنطن بتخفيفها أو العودة عنها خاصة مع الصين، ولكن وبالرغم من ذلك فالتداعيات كبيرة على لبنان، خصوصا إذا تجاوز الصراع الإقليمي والدولي حدود التوافق والتفاوض، وأصبحت المشاكسة والمناكفة بين الجبابرة، هي الخبز اليومي للصغار الذين يدفعون الثمن الغالي دائماً.