فاجأ الهجوم المباغت الذي شنته هيئة تحرير الشام والفصائل المسلحة المتحالفة معها منذ الأسبوع الماضي الجميع، لا سيما بعدما سقطت المدينة التي تعد ثاني أكبر المدن في سوريا خلال فترة وجيزة، ثم اتجهت الفصائل منذ السبت الماضي نحو حماة.
فقبل 5 سنوات فقط، كانت “تحرير الشام” التي كانت تسمى سابقاً النصرة، مجموعة مسلحة محاصرة تقاتل في إدلب من أجل البقاء، بعد سنوات من الهجمات التي شنها الجيش السوري مدعوماً من قبل روسيا.
أما الآن فباتت فصيلاً قوياً يفاخر في معقله بمحافظة إدلب، بوجود أكاديمية عسكرية، وقيادة مركزية، ووحدات متخصصة سريعة الانتشار، بما في ذلك المشاة والمدفعية والعمليات الخاصة والدبابات والطائرات بلا طيار والقناصون، وحتى تصنيع الأسلحة.
وأوضح الخبير في معهد واشنطن للأبحاث آرون زيلين أن “الهئية تحولت على مدى السنوات الأربع أو الخمس الماضية إلى جيش مصقول”، وفق “فايناشيال تايمز”.
كما ذكّر بالهجوم عبر الدرون الذي طاول أكاديمية عسكرية سورية في حمص، وأسفر عن مقتل ما لا يقل عن 100 شخص العام 2023، معتبراً أنه “شكل دليلاً واضحاً على قدرات الهيئة وما اكتسبته”.
علماً أن أحداً لم يعلن حينها مسؤوليته عن الهجوم، لكن يُعتقد على نطاق واسع أن “الهيئة” هي من نفذته.
وأشار زيلين إلى أن “الفصائل استخدمت طائرات بلا طيار للمراقبة واستهداف عناصر الجيش السوري ومراكزه، قبل إرسال مقاتليها إلى المعركة”، لافتاً إلى أنها “أسقطت أيضاً، وللمرة الأولى، منشورات من طائرات الدرون فوق المناطق المدنية لتشجيع الانشقاقات”.
واعتبر الباحث في الصراعات من معهد “كينجز كوليدج” في لندن برودريك ماكدونالد أن “تصنيع الدرون محلياً أو استعمالها في الحروب بات أمراً شائعاً حالياً”، قائلاً: “رأينا تكتيكات مماثلة في أذربيجان وأوكرانيا وأماكن أخرى”.
كما أضاف ماكدونالد، الذي تابع استخدام الفصائل للطائرات بلا طيار هذا الأسبوع، أنها “نشرت في السابق درونا صغيرة يمكنها التحليق فوق المركبات المدرعة وإسقاط القنابل اليدوية”.
وأردف أنها “استخدمت خلال هجومها الحالي، طائرات درون صاروخية محلية الصنع، ونماذج أكبر يمكنها التحليق لمسافة أبعد وحمل حمولة أكبر”.
وشدد عدة محللين على أن “الكثير من الخبرة المطلوبة لتشغيل أو تصنيع الدرون، يمكن استخلاصها من الموارد الموجودة عبر الإنترنت”.
ولفت مدير المرصد السوري لحقوق الانسان رامي عبد الرحمن اليوم إلى أن “ضباطاً من أوروبا الشرقية دربوا الفصائل السورية المسلحة على استخدام المسيرات”.
وعززت هيئة تحرير الشام ترسانتها من الأسلحة عبر نزع أسلحة من فصائل مسلحة أخرى سابقاً.
كما استولت في الفترة الأخيرة، على أسلحة تابعة للقوات السورية خلال معاركها في حلب، وحالياً في ضواحي حماة.
وأظهرت مقاطع مصورة انتشرت بشكل واسع عبر مواقع التواصل الاجتماعي أسلحة للجيش السوري، فضلاً عن مركبات وآليات مدرعة، بعضها روسي الصنع، استولت عليها الفصائل من مواقع عسكرية سيطرت عليها أو ربما تركت من قبل القوات السورية والجنود قبل انسحابهم.
إذاً بات بأيدي تلك الفصائل كميات هائلة من المعدات، من دبابات وناقلات جنود مدرعة، بل أنظمة مضادة للطائرات أيضاً.
واستطرد ماكدونالد: “استولى مقاتلو هذه الفصائل على منظومة بانتسير الصاروخية (الروسية الصنع)، وعدد من الصواريخ الأخرى المضادة للطائرات، بالإضافة إلى عدد من الطائرات الهجومية الخفيفة، التي يحاولون معرفة كيفية استخدامها”، قائلاً: “إذا تمكنوا من تشغيل أنظمة الدفاع الجوي المضادة للطائرات، فذلك سيمكنهم من الدفاع ضد الضربات الجوية الروسية، وهو أمر لم يكن بمتناول هيئة تحرير الشام أو غيرها من الفصائل سابقاً”.
وأوضح عدة خبراء أيضاً أن “الهيئة تمكنت من تصنيع درون في ورش صغيرة تتمركز في المنازل أو المرائب أو المستودعات في إدلب، معتمدة على الطابعات ثلاثية الأبعاد عندما لا تتمكن من الحصول على قطع غيار”.
كما استثمرت هيئة تحرير الشام في إنتاج الصواريخ بعيدة المدى والقذائف الصاروخية وقذائف الهاون. فخلال هجومها الأخير على حلب، كشفت عن نظام صاروخي موجه جديد، لا يُعرف عنه سوى القليل.
وذكر الباحث في معهد الشرق الأوسط تشارلز ليستر أنه “صاروخ كبير بذخيرة ضخمة في المقدمة، يُعتقد أنه يحمل اسم القيصر”.
ويشار إلى أن “الحصول على الأسلحة الأساسية كان أمراً سهلاً نسبياً في السابق بالنسبة للهيئة، في بلد عج بالسلاح طوال سنوات الحرب الأهلية الـ14 الماضية”.
لكن التصنيع المحلي للطائرات بلا طيار والصواريخ، من قبل هيئة تحرير الشام مكنها حالياً من تشكيل تهديد جديد لا يستهان به للقوات السورية التي تفتقر إلى قدرات كبيرة لصد الدرون.
وكانت الفصائل المسلحة نشرت خلال الأيام الماضية، لقطات من هجمات انتحارية بطائرات بلا طيار على اجتماع لقادة عسكريين في مبنى للجيش السوري، وهجوم آخر على القاعدة الجوية في مدينة حماة بوسط البلاد.