تشهد عواصم القرار في المنطقة حالياً موجة ضخمة من الإتصالات والمناقشات والضغوطات، من أجل إنشاء كيان دفاعي إقليمي يضم الخليج ومصر والأردن والعراق وتركيا وإسرائيل بقيادة أميركية، فيما يبدو أنه قرار واضح من البيت الأبيض بتغيير خطة انسحاب واشنطن من المنطقة، لا بل ترسيخ نفوذها فيها مجدداً قطعاً للطريق أمام روسيا، ولكن أيضاً وبقدر أكبر من الأهمية أمام الصين.روسيا الرئيس بوتين لا تريد أوروبا شرق أوسطية ثانية “قوية العود”، وهي التي تعاني مع أوروبا الغربية في حربها مع أوكرانيا، كما لا تريد لعلاقاتها مع دول المنطقة، بما فيها إيران أن تخرج عن سيطرتها لتتجه صوب أميركا والغرب. ما تريده موسكو هو علاقات “بالمفرّق” مع دول المنطقة بعيداً عن واشنطن، لذلك يُكثر وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف من زياراته للمنطقة، تارة للقاء قادة دول الخليج وتارة للقاء الإيرانيين، في رسالة روسية متوتّرة وقلقة الى الأميركيين مفادها بأن موسكو لا تريد شرق أوسط متراصاً بقيادتها.روسيا أُدرجت على جدول أعمال القمة المقبلة في الخليج مع بايدن كما أكدت مساعدة وزير الخارجية الأميركية، في الوقت الذي لا يناسب فيه موسكو إتفاق إيران مع الخليج على شروط الخليجيين راهناً، من الآن وحتى انتخابات التجديد النصفي للكونغرس، في محاولة منها بذلك إقناع دول الخليج بعدم زيادة إنتاج النفط في هذه المرحلة من حرب موسكو على أوكرانيا للضغط سلباً على بايدن والديمقراطيين، قبيل تلك الإنتخابات النصفية، وخلافاً لهدف بايدن الذي يريد بمجيئه الى الخليج طلب زيادة الإنتاج لتخفيض سعر النفط في الولايات المتحدة.روسيا والصين تريدان إيران نووية، فالأولى تريد إمساك الحبل من طرفيه في المنطقة بين الخليج وإيران ولكنها لا تستطيع ذلك لان مصالح الجانبين متناقضة، وبالتالي ستُضطر موسكو الى الإصطفاف، أو في أحسن الأحوال الى اللعب على الوقت وهذا ما تفعله حالياً.في المقابل، ثمة ضغوط أميركية إسرائيلية على السعوديين لإتمام التطبيع، لا سيما وأن الرئيس بايدن، الذي يواجه موجةً من الانتقادات الحادة في بلاده لتغيير سياسته تُجاه المملكة، بحاجة لتحقيق نتيجة مبهرة متمثلة بإقناع السعوديين بالتطبيع مع إسرائيل لإسكات المنتقدين الجمهوريين والديمقراطيين على السواء حيال المكسب التاريخي إن تحقق.منذ أيام، أرسلت إدارة بايدن الى المملكة المندوبة الخاصة التي تُعنى بملف “محاربة السامية” ديبورا ليبستادت للقاء المسؤولين السعوديين ومناقشة التطبيع…. وقد أكدت وكالة “تايمز أوف إسرائيل” هذا الخبر الذي حُجب عن المواقع الإخبارية العربية.زيارة أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني الى مصر مؤخراً، والتي تخللها توقيع اتفاقيات إستثمارية قطرية لدعم الاقتصاد المصري لم تكن أهدافها إقتصادية فقط، بل تعدّتها الى كونها جزءاً من تحركات كبيرة في المنطقة، كما زيارة ملك الأردن عبدالله الثاني الى دولة الإمارات، والزيارة المرتقبة للرئيس المصري عبدالله الفتاح السيسي الى سلطنة عُمان نهاية الشهر الجاري، ناهيك عن جولة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الأخيرة الى كل من الأردن ومصر وتركيا.في المحصلة، العمل جارٍ لإنشاء كيانٍ أمني عسكري إقليمي أعلن عنه الملك عبد الله الثاني يشبه الى حد كبير حلف الناتو، وسيضم الدول الخليجية والعربية الى جانب تركيا وإسرائيل. زيارة بايدن اذاً الى المملكة بعد إسرائيل من أهدافها إيصال رسالة وحدة حلفاء أميركا التقليديين في المنطقة الى كل من إيران وروسيا والصين، والأهم إفهام الجميع أن واشنطن عادت الى المنطقة.ومن المؤكد أن زيارة بايدن لن تكفي لإقناع الرياض بالتطبيع بمجرد حضوره.وبعد نجاحه في توطيد تحالف “أوكوس” بين الولايات المتحدة وأستراليا وبريطانيا لاحتواء الصين في شرق آسيا، وتقوية تحالف “كواد” بين أميركا والهند واليابان وأستراليا لاحتواء الصين أيضاً، يعمل الرئيس بايدن حالياً على إنشاء نفس التحالفات في المنطقة العربية تحت تسمية الدفاع الجوي للشرق الأوسط MEAD كنواة للتحالف الشرق أوسطي العتيد.أما زيارة وزير الخارجية الإسرائيلية لتركيا منذ أيام فقد أسّست لدور تركي في التحالف الإقليمي المرتقب، في ظل التطور الكبير في العلاقات بين البلدين حيث لم يلتقِ فقط نظيره التركي بل وأيضاً رئيس المخابرات التركية، بالتزامن مع إقالة الحرس الثوري الإيراني لرئيس استخباراته حسين الطي، بحسب موقع إكسبرس الإخباري، وهو رجل ذو نفوذ كبير، كإقرار إيراني بعجز الإستخبارات الإيرانية عن منع وقوع اغتيالات في إيران.
المنطقة في الربع الساعة الأخيرة قبل الانقلاب الجذري في المشهدية التي ستقلب كل الحسابات رأساً على عقب …