أما وقد تقررت رسمياً زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن للمملكة العربية السعودية في الخامس عشر من شهر تموز المقبل، فمن البديهي أن تستحوذ بالاهتمام والمتابعة الدقيقة لمحاولة استبيان ما يمكن أن تحققه هذه الزيارة التي تطلبت الكثير من الوقت والجهد والتفكير من الجانبين.
بالنسبة لنا كمراقبين ومحللين، هذا الزيارة ستعني الآتي :
أولاً : تراجع بايدن تجاه السعوديين وانكشاف الديمقراطيين تجاه المملكة، ملكاً وولي عهد، إذ ان الديمقراطيين والرئيس بايدن في طليعتهم لطالما نظروا الى القيادة السعودية الحالية نزعة عداء باعتبار أن الديمقراطيين، ومنذ ولاية الرئيس باراك أوباما، يفضلون المراهنة على الإيرانيين بدل استمرار تحالفهم مع العرب وتحديداً الخليجيين.
الوعود التهديدية التي أطلقها الرئيس بايدن تجاه المملكة وولي عهدها أثناء حملته الانتخابية كانت “قصيرة النظر” ومحدودة الأفق، وكذلك رفض بايدن الإتصال بولي العهد واتهامه باغتيال جمال خاشقجي وطرح ملف حقوق الإنسان، كلها ضغوط مارستها واشنطن لكن لم تصل الى مكان وها هم الديمقراطيون في أعلى هرمهم يُهرعون الى الرياض بدافع الحاجة لا الندم، وبالتالي فإن التعامل مع الأميركي سيكون واضحاً وصريحاً وجازماً.
- ثانياً : الرئيس بايدن الذي سيزور المملكة بعد زيارة إسرائيل وليس ببرمجة زيارة مباشرة وحصرية للمملكة، ما يؤكد عدم رغبة واشنطن في الظهور بمظهر المستجدي للتأييد والدعم في وجه روسيا بوتين، فالرئيس بايدن سيأتي لطلب الدعم لأنه يحتاجه لكن المملكة والدول الخليجية والعربية الموجودة في اللقاء ستعيد تأكيد الثوابت الآتية للضيف الأميركي :
ا- تمسّك دول الخليج والمملكة السعودية على رأسها بعلاقات التعاون مع روسيا وعدم استعداد العرب لمعاداة الرئيس بوتين كرمى حاجة الأميركيين الذين لم يقيموا أي وزن للمصالح الخليجية، فروسيا شريك العرب في النفط والغاز وهي من الدول الكبرى المنتجة للنفط والغاز وهي ركن أساسي في أوبيك بلاس، ما يعني أن بإمكان موسكو إغراق الأسواق بالنفط والغاز إن أرادت ليصبح سعر البرميل زهيداً.
٢ – الخليج والدول العربية على الحياد في الملف الأوكراني مع تأكيد الوقوف الى جانب وحدة وسلامة أراضي أوكرانيا، والدعوة لإيجاد حل سلمي للنزاع عبر التفاوض بين الأوكرانيين والروس.
٣ – الدول العربية والخليجية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية حلفاء للولايات المتحدة لا للأشخاص الذين يسكنون البيت الأبيض، وعلى هذا الأساس يتعين على واشنطن احترام تعهداتها تجاه حلفائها ولا سيما تنفيذ صفقة بيع مقاتلات الآف٣٥ لدولة الإمارات وإعادة المساهمة العسكرية الأميركية في حماية حقول النفط في المملكة، فالحلفاء يخدمون مصالح بعضهم لا مصالح واحد منهم في اتجاه واحد كما تتصرف واشنطن اليوم مكرهَة بعد اشتداد الأزمة الأوكرانية وذيولها عليها لا سيما في مجالات الطاقة . - ثالثاً : الرئيس بايدن سيسمع من الخليجيين ولا سيما من السعوديين كلاماً حازماً وقاسياً عن تخلي واشنطن عن حلفائها الإقليميين التاريخيين، وعن وقوف واشنطن الى جانب إيران وميليشياتها لضرب أو المساهمة في ضرب استقرار دول المنطقة والمجتمعات العربية.
اذاً في المحصّلة، لن تكون زيارة الرئيس جو بايدن الى الرياض مزروعة بالورود والعراضات والولائم كما كانت لدى زيارة الرئيس دونالد ترامب، لأن بايدن وإدارته بالغوا كثيراً في معاداة المملكة والخليج، ولأنه من الواضح أن الزيارة لم تكن لتتم بعد نيف وعام لولا حاجة واشنطن الى دعم الخليجيين وبخاصة المملكة التي كان يتهمها بايدن منذ أسبوع بشتى التهم، في مواجهة الروس وحربهم في أوكرانيا .
إنها أشبه بهبوط إضطراري لدى مَن كان يُعتبر حتى الأمس القريب الشر المستطير .