عن إيران المنكَشفة أمام ساعة الحقيقة…

علم-ايران

تتسارع الأحداث الإقليمية بوتيرة تصاعدية خطيرة تُنذر بقرب الإنفجار الكبير، فالغارات الإسرائيلية الأخيرة على مصانع أصفهان لإنتاج الصواريخ والمسيّرات الإيرانية التي تُباع الى روسيا لاستخدامها في حربها ضد أوكرانيا، وعلى قافلة صواريخ للحرس الثوري الإيراني في البوكمال، ترسم أكثر من استنتاجٍ، سواء في الأسلوب غير المسبوق بقصف مصانع ومخازن مسيّرات وصواريخ داخل إيران، أو في التوقيت بتزامن الهجومين مع زيارة وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن الى إسرائيل والأراضي الفلسطينية لمحاولة إطفاء الحريق المندلع بين الإسرائيليين والفلسطينيين، فضلاً عن البحث في سبل الدفع باتجاه المزيد من التطبيع بين إسرائيل وجيرانها العرب والخليجيين ولاسيما المملكة العربية السعودية.

لتلك الغارات أكثر من دلالة، ليس أقلها إثبات وجود قرار أميركي- إسرائيلي متخذ بضرورة منع إيران من الحصول على التكنولوجيا النووية من جهة، وبضرورة إيصال رسالة أميركية الى كلٍ من طهران وموسكو برفض تزويد إيران روسيا بالمسيّرات والصواريخ الباليستية الإيرانية لاستخدامها في الحرب في أوكرانيا،
فالمناورات العسكرية الأميركية ـ الإسرائيلية الأخيرة في إسرائيل والتي حاكت عملاً عسكرياً ضد إيران، حملت أولى الرسائل العسكرية المباشرة الى إيران عن أن الخيار العسكري هو المصير المحتوم لطهران في حال قطع الأمل نهائياً من الديبلوماسية في ما يتصل بملفها النووي، وبأن الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة هو الدواء الناجع والملاذ الأخير في حال العودة الى العقوبات الصارمة،
فإيران راكمت في الآونة الأخيرة سلسلة من السقطات والدعسات الناقصة في سياساتها الخارجية وفي مواجهتها الانتفاضة الشعبية الداخلية التي تكاد تهز مداميك النظام الديني الثوري، في حين تأتي زيارة بلينكن بالتزامن مع الوضع الداخلي في إسرائيل المشتعل فلسطينياً، والداخل الإيراني بعد الاحتجاجات الشعبية وما رافقها من إعدامات، التي أغضبت العواصم الغربية، وصولاً الى مسألة المسيّرات التي ضربت مواقع عسكرية وبنى تحتية في أوكرانيا، والتي أدّت الى حمل واشنطن على تغيير موقفها من طهران ودفعتها الى العودة المباشرة الى المشهد الإقليمي للضغط المباشر على إيران، والتأشير بأن الدبلوماسية الأميركية بدأت تعيد النظر في أوراق الشرق الأوسط وملفاته، وهو يسير بين خطي التصعيد وأروقة التطبيع وإعادة النظر ببعض الأنظمة وفي مقّدمها النظام الإيراني.

الإنتفاضة الداخلية التي أضعفت سطوة النظام وهيبته من الداخل جعلت إيران تضعف لتصبح أكثر شراسةً في الداخل، تمهيداً لنقل شراستها الى المحيط الخارجي المباشر، ما لا يُستبعد معه تكرار سيناريوهات ضرب دول الخليج وبخاصة السعودية ( كما أرامكو – الفجيرة …) وتنفيذ عمليات في العراق والأردن ولبنان، ومن هنا أهمية النظر الى ما يجري في إسرائيل والضفة من أحداث وتصعيد لقطع الطريق أمام محاولات إحياء التطبيع الإسرائيلي- السعودي الذي يبقى أولوية من أولويات حكومة نتانياهو.

إيران راهناً خائفة من انقلاب الوضع الدولي ومعادلاته ضدها وهي تشعر بخطر الهجوم عليها والذي بدأ يتثبّت من خلال الهجومَين على الداخل الإيراني في أصفهان وعلى الحرس الثوري في البو كمال،
من هنا فإن اللقاء التشاوري الذي نظّمه الشيخ محمد بن زايد مؤخراً مع ملوك ورؤساء الدول العربية ومصر وقطر للتشاور، بغياب السعودية والكويت والعراق، وقد حصل بعد منتدى النقب الذي أُقيم في الإمارات العربية على أساس الاتفاقات الإبراهيمية واستمر يومين، جاء ليطلق آلية مواجهة للحرب المقبلة من إيران وعليها، حتى أن وزير الخارجية السابق حمد بن جاسم آل ثاني، وفي تغريدة له منذ أيام، تنبأ بالهجوم العسكري الوشيك ضد إيران.

إذاً المنطقة أمام انقلاب التوازنات الدولية ضد إيران التي تدرك ذلك، ومن هنا تحركات قآني الأخيرة في العراق وسوريا،
حتى أن زيارة وزير الخارجية التركي تشاوش أوغلو الى الولايات المتحدة في هذا التوقيت أيضاً تصبّ باتجاه ضربة وشيكة لإيران، وقد توقف التطبيع التركي مع الأسد لأن واشنطن تريد إحلال تركيا مكان روسيا لتحكم الناتو وبالتالي الولايات المتحدة.

مسلسل إضعاف إيران بدأ منذ العام 2020 مع قتل سليماني والمهندس ومقتل محسن فخري زاده، بحيث تقلّمت أظافر النظام الإيراني وبات فاقداً ليديه رغم وجودها ( قطع اليد اليمنى واليد اليسرى تمهيداً لهجوم يضرب الرأس ) .

ومن هنا كان إحضار إسرائيل من أوروبا ووضعها من ضمن القيادة المركزية الإقليمية في البحرين للمشاركة في إدارة الحرب والعمليات العسكرية ضد إيران وإسرائيل وهي جاهزة لضرب البرنامج النووي الإيراني كما أثبتت ذلك في أصفهان منذ أيام،
أما تغيّر المعادلات ضد إيران فهي أيضاً التي أدت الى إخراج الكاظمي من العراق، لتدخل إيران مرحلة استجماع قوتها وأوراقها في المنطقة، ومن هنا توقّع التصعيد الإيراني على كل جبهاتها الإقليمية وعبر ميليشياتها، وبالتالي تندرج مفاعيل الاتفاقات الإبراهيمية التي لا يمكن لأحد النكران بأنها شكّلت أهم وأكبر تطور في المنطقة منذ القرن العشرين، وها أن من ثماره تشكّل منظومة أمن وتعاون إقليمي، والعدو الأول هو ايران، فيما يبدو أن البيت الأبيض الديمقراطي عائد الى سياسة "ترامب" ضد إيران والى رؤية مايك بومبيو وشروطه الإثنتي عشرة بخصوص إيران لإسقاط نظام الملالي بعد محاصرته.

في المقابل وعلى الجبهة الأميركية، يبدو أن الرئيس جو بايدن يمضي باتجاه اتفاق مع الجمهوريين ما يعني أننا أمام ظروف قاسية ستواجه روسيا وإيران في المرحلة المقبلة.

الحرب ليست هجوماً على إيران بل هي دفاع عن المنطقة وأمنها من إيران والاستقرار الدولي، فالنظام الإيراني الذي مضى عليه 40 عاماً آن له أن ينتهي.

يقول فيلسوف الاستراتيجية الصيني سون تزو إن الحرب أداة لتغيير النظام الدولي وأداة للتوزيع الدولي للقوة، وبالتالي فإن كل نظام دولي هو نتيجة لإعادة تشكيل التكتلات الإقليمية والاقتصادية والديبلوماسية التي تلي نزاعات الهيمنة، وإيران تدرك أن مساعيها فشلت والتوازنات لغير صالحها وعدم القدرة على السيطرة على العواصم الأربعة بشكل دائم ومستمر، فالحرب آتية خلال الأشهر القليلة المقبلة وإيران تدرك أن التوازنات اختلّت لغير صالحها، وقد تتحرك عسكرياً في شهر شباط قبل أن يأتي آذار أو نيسان المقبلَين .

تعثّر المسار النووي والتحالف مع روسيا خطيئتان مميتتان ارتكبها نظام الملالي تجاه الأميركيين والغرب ما أدى الى قلب الحسابات وإعادة خلط الأوراق الإقليمية والدولية، وقد يحين وقت " تدفيع " طهران الثمن … والمنطقة معها …

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: