تشهد غزة تصاعدًا في حدة المجاعة، فيما أعلنت واشنطن عبر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن خطط جديدة لتوفير الغذاء لسكان القطاع، معبرة عن "القلق البالغ من تفاقم الأزمة الإنسانية". لكن رسائل ترامب حملت اتهامات لحركة حماس بـ"سرقة المساعدات وعرقلة وصولها"، مؤكدًا أن فريقه بقيادة مستشاره ستيف ويتكوف يعمل على خطة شاملة دون الكشف عن تفاصيلها، مكتفيًا بالقول: "سترون قريبًا".
مساعدات جوية متعددة الجنسيات.. وتصاعد الاتهامات
في إطار الجهود الإنسانية، زار المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف والمستشار الأمريكي لدى إسرائيل مايك هكابي مركز المساعدات الإنسانية في رفح، حيث تابعا توزيع الغذاء وأكدا على أهمية إيصال الدعم العاجل. في الوقت ذاته، صعّدت إسرائيل من لهجتها تجاه حماس، متهمة إياها بمنع وصول الإغاثة و"نهب" المساعدات.
ترافق ذلك مع تصاعد عمليات الإنزال الجوي للمساعدات في سماء غزة بقيادة الإمارات والأردن، وانضمام طائرات ألمانية وفرنسية وإسبانية، ما يعكس تحركًا دوليًا رغم العقبات السياسية والميدانية.
جمود المفاوضات والميدان المستعجل
في ظل التحركات الإغاثية، تتعثر المفاوضات المتعلقة بوقف إطلاق النار وإطلاق المحتجزين. مصادر مطلعة أفادت بأن حماس توقفت عن المشاركة في النقاشات، ما دفع الوفدين الأمريكي والإسرائيلي إلى الانسحاب من محادثات الدوحة. ويتهم ويتكوف حماس بالتفاوض "بسوء نية"، ما يزيد من تعقيد المشهد السياسي.
استخدام الجوع كسلاح إبادة
قال الباحث السياسي جمال زقوت في مقابلة عبر سكاي نيوز عربية إن الوضع في غزة يعكس "استخدامًا ممنهجًا للتجويع كسلاح إبادة". اضاف أن زيارة ويتكوف تهدف إلى "امتصاص حالة التأليب الدولي غير المسبوقة ضد سياسة الحصار".
وأشار إلى أن ترامب يعترف بالمجاعة لكنه لا يقدم حلولًا، مستنكرًا تحميل حماس مسؤولية تعطيل المساعدات، خاصة بعد تقارير، لتي نفت وجود أدلة على استيلاء الحركة على المساعدات.
وأكد زقوت أن ما لا يمكن إنكاره هو مقتل أكثر من 700 فلسطيني أثناء محاولتهم الوصول إلى مراكز المساعدات، منهم من قضى تحت القصف أثناء انتظار سلال غذائية قد تنقذهم من المجاعة، واصفًا ما يحدث بأنه جريمة منظمة تتجاوز مسؤولية حماس، وتضع إسرائيل والولايات المتحدة في قلبها.
تحذيرات دولية وتحولات محتملة
من بين أبرز التحولات الدولية، تحذيرات من عواصم غربية مثل بريطانيا التي لوّحت بالاعتراف بالدولة الفلسطينية إذا استمر "التجويع والقتل المنهجي". ويعتبر زقوت أن هذه التصريحات تعكس "إدراكًا دوليًا متزايدًا لحجم الكارثة ورغبة في تحويل المواقف الرمزية إلى خطوات عملية".
وأوضح أن دور الأمم المتحدة في توزيع المساعدات كان تحت إطار واضح، لكن بعد تدخل إسرائيل المباشر، تراجعت المرحلة الثانية من الاتفاق وتحولت المساعدات إلى أداة ضغط.
الدعوة لوحدة فلسطينية وكسر الانقسام
دعا زقوت إلى تغيير قواعد اللعبة فلسطينيًا من خلال تجاوز الانقسام بين السلطة الفلسطينية وحماس، مشددًا على أن "الوقت من دم، ويجب التوقف عن التراشق والاتهامات". وحث حماس على التعامل بجدية مع تشكيل حكومة وفاق وطني، مطالبًا السلطة بعدم الخضوع للابتزاز الغربي الذي يرفض وجود حماس في المستقبل الفلسطيني.
وشدد على ضرورة صياغة عقد سياسي واجتماعي فلسطيني داخلي جديد، يرتكز على المصالح الوطنية وخطاب موحد تجاه الاحتلال، مؤكدًا أن طريق الدولة الفلسطينية يبدأ أولاً من الداخل الفلسطيني.
بين المبادرات الجوية ومآسي الأرض
مع تسابق الطائرات المحملة بالمساعدات لإيصالها إلى غزة، تبقى الأسئلة الكبرى على الأرض: من يتحمل مسؤولية الجوع؟ ومن يوقف نزيف الأرواح؟ وهل تتحول الخطط الأمريكية من مجرد تصريحات إعلامية إلى خطوات سياسية فعلية؟
في ظل توقف المفاوضات وتصاعد الشكوك بشأن النوايا الحقيقية، تشكل مجاعة غزة اختبارًا حقيقيًا لإرادة المجتمع الدولي، بين الالتزام بتغيير الواقع أو أن يكون شاهدًا على كارثة إنسانية تُرتكب أمام أنظار العالم.