أفادت المعلومات الصحفية اللبنانية منذ ساعات بأن رئيس فيلق القدس إسماعيل قآني وصل الى سوريا لتفقّد جبهات القتال ومن ثم انتقل الى لبنان.
كما سبق وأشرنا في أكثر من مقال لموقع LebTalks خلال الشهرين الأخيرين، يبدو أن الأرضية في سوريا تتحضّر لتطورات دراماتيكية، حيث تحوّلت سوريا بفضل نظام بشار الأسد الى أرض مواجهة دولية وليس فقط إقليمية، فالساحة السورية مفتوحة الآن على شتى الصراعات: الأميركية- الروسية والأميركية- الإيرانية والتركية- الروسية والتركية- الإيرانية- السورية، الى ما هنالك من أوجه صراعات تحتضنها الأرض السورية للمتنازعين الإقليميين على امتداد مساحتها الجغرافية.
الساحة السورية، وبعد توقّف التطبيع الخليجي العربي والتراجع عن فتح سفارات عربية في دمشق نتيجة عدم التزام الأسد بما وعد به في مؤتمر قمّة جدّة، وقبلها في اللقاء التشاوري في عُمان، وفي الاجتماع الأخير في دمشق بين وزير الخارجية الأردني ونظيره السوري ورأس النظام، شرّعت مجدّداً للمواجهات والحروب والمنازلات.
قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني إسماعيل قآني زار في سوريا مناطق سيطرة النظام والميليشيات الإيرانية، فيما نقلت عنه وسائل لبنانية قوله إن أعداء سوريا وإيران يعرفون جيداً أن المبادرة في المنطقة بيد محور المقاومة وفق تعبيره.
قآني، وبعد سوريا، وصلَ الى بيروت طبعاً لا كموفدٍ إيراني رسمي يُفترض أن يُستقبل من قبل حكومة وسلطات لبنانية سيّدة ودستورية، بل كصاحب عمل يأتي ليعطي التوجيهات بعيداً عن البروتوكول "والرسميات " لعماله ومتعهدي مشاريعه،
فلبنان بنظره ونظر طهران ولاية إيرانية محكومة من ممثّلها ووكيلها في لبنان حزب الله، وبالتالي فإن زيارته هي لتفقّد رجاله وأعوانه وعملائه، ولتحريك ملف المخيمات الفلسطينية بالدم والنار مجدّداً ورسم خطط التصعيد العسكري والأمني إيذاناً بفتح معركة جديدة على امتداد سوريا ولبنان.
زيارة قآني الى سوريا ولبنان تتزامن مع تحركات لحزب الله في الجنوب اللبناني تنبىء بوقوع مواجهة محتملة تنعكس على ملف ترسيم الحدود البرية تجميداً وسحباً من التداول.
في مقال لنا بتاريخ ٦/٧/٢٠٢٣، تم التركيز على احتمالية حصول مواجهة أميركية- روسية في سوريا، وبتاريخ ٢٦/٦/٢٠٢٣ كتبنا عن شمال سوريا في ساعة المواجهات الكبرى والمستنقعات الإقليمية، وسواها من مقالات توقّعنا خلالها حدوث صدام أميركي- روسي مباشر أو غير مباشر في سوريا.
والواقع راهناً هو أن التحرّشات الأميركية والروسية في سوريا على أشدّها عبر الطيران المسيّر في ظل اتهامات متبادلة، فيما إيران تتعاون مع موسكو لمحاولة إخراج القوات الأميركية من سوريا.
المبعوث الأميركي السابق الى سوريا جيمس جيفري كشف عن مفاوضات أميركية- روسية جرت منذ عامين لتطبيق القرار الأممي ٢٢٥٤ للحل في سوريا الا ان الروس تراجعوا وفشلت المفاوضات، مشيراً الى أن سوريا ستبقى دولة فاشلة في صراع مجمّد حتى إشعار آخر.
سوريا اذاً في عين العاصفة الدولية والإقليمية مجدّداً بعدما كانت موضع رضى متبادل في السابق بين اللاعبين الدوليين والإقليميين كافة عندما سلّمت واشنطن الروس أمر سوريا برضى إيراني- إسرائيلي وحتى تركي.
المشهد انقلب الآن رأساً على عقب بعد سلسلة من الفشل بدأ مع تطورات ما بعد قمة جدّة وتأثرت بالتوتر السعودي- الإيراني المستجدّ حول حقل الدرّة.
قد يكون الخطأ الاستراتيجي الكبير الذي وقع فيه الروس بشنّهم الحرب على أوكرانيا جاء لصالح الشعب السوري لأنه أدى الى تكتل أميركا والغرب ضد الرئيس بوتين، وبالتالي سحب الورقة السورية منه ومعها التسامح الغربي في سوريا.
المعادلة اذاً : الروس والإيرانيون ونظام الأسد يريدون طرد الأميركيين من سوريا، فيما الأميركيين وقَسد وحلفاءهم يريدون طرد إيران من سوريا وترحيل بشار الأسد.
قآني تفقّد جبهات القتال مع الأميركيين في سوريا وخصوصاً في دير الزور، ومن ثم توجّه الى بيروت في وقت تتزعزع الأرض تحت أقدام نظام الملالي، سواء في العراق أو سوريا أو لبنان.
واشنطن لن تنسحب من شمال شرق سوريا لا بل قرّرت التصعيد في وجه الروس والإيرانيين كانعكاس لما يحصل في أوكرانيا، فواشنطن لم تعد في وارد التخلّي عن الورقة السورية للروس بعد الذي حصل ويحصل في أوكرانيا.
ثمة تقارب تركي- أميركي في شمال سوريا وهذا التقارب تريده واشنطن لحشد القوى ضد الإيرانيين في شمال شرقي سوريا، وفي المعلومات أن واشنطن تريد حالياً نقل مقاتلين من شمال حلب الى قاعدة التنف في الجنوب الشرقي، وقد زادت مستوى التسليح في الشرق الأوسط، ولا سيما في الخليج حيث يُحكى عن استعداد أميركي لنشر قوات المارينز في الناقلات والسفن العابرة في مياه الخليج لمنع إيران من مهاجمتها.
المنطقة على كف عفريت وقد عاد الانقسام العمودي بين السعودية ودول الخليج والدول العربية من جهة، وإيران وميليشياتها ومن لفّ لفيفهم من جهة ثانية.
على كل الجبهات في المنطقة، تعود إيران لتشدّ عصب كل الميليشيات، وبخاصة حزب الله في لبنان، فيما التفاوض السعودي- الحوثي في اليمن انتهى وعادت لغة الشتم والتهجّم على السعودية من قبل الحوثيين.
أذرع وأبواق وعملاء بشار الأسد في لبنان عادوا لشتم السعوديين والخليجيين أي العودة الى ما قبل توقيع الاتفاق في بكين بتاريخ ١٠/٣/٢٠٢٣، ومن هنا التخوّف من مهاجمة أنصار الأسد وإيران في لبنان للمصالح السعودية والخليجية في بيروت.
قآني في العاصمة اللبنانية لاستكمال مخطط سيطرة إيران على الورقة الفلسطينية في لبنان، أي ورقة المخيمات "لكسر شوكة" فتح فيما إسرائيل تراقب، ومن المتوقّع أن تبدأ إسرائيل بضرب سوريا ردّاً على ما ستشنّه طهران عليها من هجمات.
الأرض تتحضّر لشيء كبير وخطير يزلزل كل المعادلات الإقليمية ويضرب إيران انطلاقاً من سوريا، أما التوقيت فيبقى المجهول الوحيد حتى الساعة، وقد بلغنا ونحن نحرّر هذا الأسطر أن دمشق تعرّضت منذ دقائق لقصف إسرائيلي، فهل بدأت المراحل الأولى للسيناريو الأميركي ضد نظام الأسد ؟
