قراءات أولية في نتائج الانتخابات النصفية الأميركية: الديمقراطيون نجحوا في الحد من الأضرار

IMG-20221110-WA0002

في وقت لم تُحسم فيه نتائج الانتخابات النصفية الأميركية حتى الساعة، يمكننا الخروج الى الآن ببعض الاستنتاجات وفق الآتي :

أظهرت النتائج الأولية المتوافرة حتى الساعة من مختلف الولايات الأميركية غياب التسونامي الأحمر الكبير (أي الجمهوري) الذي كان متوقعاً، وقد أشار الرئيس الأميركي جو بايدن الى ذلك في مؤتمره الصحفي فجر اليوم، ولكن مع ذلك تمكّن الجمهوريون من السيطرة على مجلس النواب فيما معركتهم طاحنة على مجلس الشيوخ، وقد تقرر إعادة الانتخابات في ولاية جورجيا في السادس من شهر كانون الأول المقبل.لا يزال أمام الجمهوريين فرصة لإدارة مجلس الشيوخ أيضاً اذا ما قلبوا الموازين في ولايتي أريزونا وجورجيا، لكن "الموجة الحمراء" الضخمة التي توقّعها بعض اليمينيين لم تتحقق وظهر ذلك خصوصاً في مجلس الشيوخ، مع فوز الديموقراطيين بأول سباق كبير في وقت مبكر من صباح الأربعاء. وفضلاً عن تفوّق حاكم ولاية بنسلفانيا الديموقراطي جون فيترمان على الجمهوري محمد أوز في وقت بدى فيه أن وضع الديمقراطيين جيد في ولاية أريزونا.إلى ذلك، خسر الجمهوريون سباق مجلس الشيوخ في ولاية نيوهامبشير ،وفي المقابل حافظ الحزب الجمهوري على ولاية أوهايو، حيث فاز جي دي فانس، وفي ولاية كارولينا الشمالية، حيث فاز النائب تيد بود، فيما فاز حاكم ولاية فلوريدا رون دي سانتيس بولاية جديدة في منصبه. وقد يكون فوزه أكبر إشارة إلى أنه سيكون قوة لا يُستهان بها إن ترشح للرئاسة الأميركية عام 2024 عن الحزب الجمهوري بدلاً من الرئيس السابق دونالد ترامب الذي أدرك خطورة دي سانتيس عليه، وقد حذّره من الترشح للانتخابات الرئاسية، قائلاً إن ذلك سيضرّ بالحزب الجمهوري.

وبالحديث عن الرئيس السابق ترامب، يبدو أنه وبعد خسارته التجديد للرئاسة عام 2020، صبّ كل تركيزه على الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري ليثبت أن دوره لا يزال قائماً، وقد ضمت السباقات الأربعة في مجلس الشيوخ المرشحين الذين دعمهم، وإن لم يحظَ الجمهوريون بغالبية مجلس الشيوخ، لا بد من النظر في الأسباب التي أدت إلى ذلك. فخسارة أوز تُعتبر الضربة الأكبر لأنه ربما لم يكن ليفوز في الانتخابات التمهيدية من دون دعم ترامب. ولم يكن هيرشل والكر مرشحاً مناسباً، لكن ترامب مهّد الطريق أمامه لخوض الانتخابات، فيمافي ولاية أريزونا، كان بليك ماسترز مرشحاً يتردد الناخبون في منحه أصواتهم.

ومن الاستنتاجات التي يمكن الخروج بها حالياً أن معركة "الإجهاض" كانت في صلب خيارات الناخب الأميركي، إذ يبدو أن ولايات عدة ستحذو حذو كانساس التي فاجأت الوسط السياسي برفضها بأغلبية ساحقة محاولة إبعاد حماية الإجهاض عن دستور الولاية، فيما أضافت كاليفورنيا وفيرمونت الثلاثاء حق الإجهاض إلى دستورهما، ومرّرت ولاية ميتشغن إجراء مماثلاً .وبحسب استطلاعات الرأي الأخيرة قبل أيام في الولايات المتحدة الأميركية، تبيّن أن حوالي 3 من كل 10 ناخبين يعتبرون حق الإجهاض أهم قضية لديهم، وهو معدل يُقارب عدد الناخبين الذين تحدثوا عن التضخم، فإسقاط قانون الإجهاض أدى دوراً بارزاً، ورفع عدد الأصوات التي صبّت في مصلحة الديموقراطيين.الإستنتاج الآخر هو أن هذه الانتخابات لم تكن محصورة بين الحزبين، بل شملت مستقلين أيضاً، بحيث تظهر استطلاعات الرأي أن الناخبين المستقلين يفضلون الديمقراطيين بنسبة 49 في المئة، فيما حصلت المعارضة على أصوات المستقلين بأرقام مزدوجة في الانتخابات النصفية الأربعة الأخيرة.هكذا تمكّن الحزب الديمقراطي من الحد من الأضرار أفضل مما كان متوقّعاً في انتخابات منتصف الولاية، وحرمَ الرئيس السابق دونالد ترامب من تشكيل حركة مدّ في الكونغرس كان يراهن عليها للعودة مجدداً الى البيت الأبيض، فقد فاز في بنسلفانيا الديمقراطي جون فيترمان بعد أمسية سادها توتر شديد وعملية شاقة لفرز الأصوات، ما يعطي أملا لبايدن بالاحتفاظ بالسيطرة على مجلس الشيوخ حيث كان الجمهوريون يتمتعون حتى الآن بتقدّم طفيف في استطلاعات الرأي، وقد باتت التشكيلة النهائية لمجلس الشيوخ معلقة الآن على أربعة مقاعد: أريزونا ونيفادا وجورجيا وويسكونسن، وهو عدد كبير من الولايات، ما يعني أن فرز الأصوات يمكن أن يتطلب أياماً عدة.

والجدير التذكير به هو أن الجمهوريون كانوا واثقين من حرمان جو بايدن من غالبيته في الكونغرس، لا سيما وأن شعبيته تتراجع وانتخابات منتصف الولاية التي تُنظم بعد سنتين من الانتخابات الرئاسية هي بمثابة تصويت يعاقب الإدارة القائمة، ما جعل الجمهوريين متفائلين بانتزاع مقاعد في دوائر تعتبر محسومة للديمقراطيين، لكن في قراءة أولية للخريطة الانتخابية وخريطة النتائج نرى أن الحزب الجمهوري الذي توقعت تقديرات أن يحصد عدداً إضافياً من المقاعد (عشرة أو 25 وحتى ثلاثين) بات مضطراً لخفض سقف توقعاته.

أما الاستنتاج الثالث فهو أن هذه الانتخابات النصفية مكّنت للمرةٍ المثليين من الترشّح في جميع الولايات الأميركية الخمسين، إضافة الى العاصمة واشنطن، مع تصاعد القوة الانتخابية ل"مجتمع الميم" في الولايات المتحدة، فيما تخوض الديمقراطية تينا كوتيك، وهي مثلية، منافسة صعبة في أوريغون على منصب حاكم الولاية. وينتمي نحو 90% من المرشحين المثليين في هذه الانتخابات إلى الحزب الديمقراطي.

في المقابل، سُجّل انتخاب موالٍ لترامب هو الجمهوري جاي دي فانس عضواً في مجلس الشيوخ عن ولاية أوهايو، في أول خيبة أمل كبيرة للرئيس الديموقراطي جو بايدن في انتخابات منتصف الولاية.

هذا وفاز الجمهوري تشاك غراسلي (89 عاما) السيناتور عن ولاية أيوا منذ العام 1981، في انتخابات الثلاثاء بمقعد في مجلس الشيوخ لولاية ثامنة، حسب قناتَي "إن بي سي" و"سي بي إس"، وقد خاض منافسة هي الأكثر حدة له منذ 42 عاماً في مواجهة الديمقراطي والعسكري الكبير السابق مايكل فرانكن،وسيكون تشاك غراسلي قد بلغ 95 عاما في نهاية ولايته الجديدة هذه.هذا وقد انتخبت المتحدثة السابقة بإسم دونالد ترامب في البيت الأبيض سارة هاكابي ساندرز (40 عاماً)، حاكمةً لولاية أركنسو التي هي بحد ذاتها ولايةً جمهورية، حسب توقعات وسائل الإعلام الأميركية.

وكانت استطلاعات الرأي ترجح فوزها في في هذه الولاية حيث كان والدها مايك هوكابي، الشخصية المهمة في السياسة الأميركية، حاكماً من 1996 إلى 2007.وخلال حملتها الانتخابية، انتقدت ساندرز الرئيس جو بايدن وسياساته "اليسارية الراديكالية"، مشيرةً إلى التضخم الجامح و "الحدود المفتوحة" و"ارتفاع جرائم العنف"، قائلةً إنها "مستعدة للانضمام إلى تحالف المحافظين الأقوياء الذين يدافعون عن حريتنا"،وقد سئلت باستمرار عندما كانت متحدثة باسم البيت الأبيض باستمرار عن هجمات ترامب على وسائل الاعلام.الحاكمة الديمقراطية المنتهية ولايتها كاثي هوشول التي حلّت صيف 2021 محل أندرو كومو بعدما أدت فضيحة جنسية إلى إطاحته، فازت على خصمها الجمهوري لي زيلدن، حسب قناتي "ايه بي سي" و"ان بي سي".

في بنسلفانيا، مني الجمهوري المسيحي اليميني المتطرف دوغ ماستريانو المقرّب من دونالد ترامب والمشكِك بفوز الرئيس جو بايدن في انتخابات 2020، بهزيمة كبيرة أمام الديمقراطي الوسطي جوش شابيرو الذي فاز بمنصب حاكم بنسلفانيا، الولاية الحاسمة في الانتخابات النصفية الولاية، علماً بأن ماستريانو (58 عاما) هو واحد من أكثر السياسيين المدعومين من ترامب إثارةً للجدل، فهو ضابط سابق لا يخفي تعاطفه مع مجموعات مؤيدة لتفوّق البيض ولمعالم تمجيد الكونفدرالية(2021)،وقد شارك أيضاً في مؤتمرات لمجموعات نظرية المؤامرة اليمينية المتطرفة "كيو-انون"، وهو معارض للإجهاض.اذاً وفي خلاصة أولية يمكن القول إن النتائج التي صدرت الى الآن تشير الى نجاح الديمقراطيين في الحد من خسائرهم، في الوقت الذي حقّق فيه الجمهوريون سيطرةً شبه حاسمة على مجلس النواب، فيما حظوظ الرئيس السابق دونالد ترامب للعودة في العام 2024 الى البيت الأبيض لا تبدو حالياً مضمونة.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: