بعدما أُسدلت الستارة على أعمال قمة العشرين الأخيرة بما تضمنته من إنجازات فاقت في جزءٍ منها كل التوقعات، يمكن أن نستخلص أبرز النتائج الجيو سياسية كما يلي :
قمّة الشراكة لبنية تحتية عالمية
أولاً : توقيع اتفاقية تاريخية ضخمة هي الأهم في تاريخ العلاقات الآسيوية- الأوروبية بين كل من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيسة المفوضية الأوروبية ارسولا فان دير لاين ورئيس وزراء الهند ناريندرا مودي ورئيس دولة الإمارات محمد بن زايد الذين وقّعوا جميعهم على تلك الاتفاقية تحت عنوان "القمة : الاجتماع العالمي من أجل الشراكة لبنية تحتية عالمية والاستثمار" .
أهمية هذه الاتفاقية لا تقتصر بأنها أقامت ممراً اقتصادياً بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، شاملة إسرائيل في طريقها بل وأكثر من ذلك أهمية تكمن في أنها تعيد خلط الكثير من الحسابات الإقليمية والدولية وتغيّر في خارطة التحالفات والشراكات الاستراتيجية، لأن مثل هذه الاتفاقية تكرّس التطبيع والتكامل الاقتصادي والتجاري بين دول القارات الثلاث كافة، كما وأن هذه الاتفاقية تأسس لشبكة نقل ضخمة غير مسبوقة تربط السلع الهندية بالسعودية والإمارات، وصولاً الى إسرائيل ومن هناك الى الموانىء الأوروبية .
هي شبكة عالمية بكل ما للكلمة من معنى في ظل المصافحة الكبيرة بين بن سلمان وبايدن والتي أنست تلك المصافحة الباردة بقبضة اليد أثناء استقبال ولي العهد للرئيس بايدن في الرياض العام الماضي حيث سيتم تدشين سكك حديدية وموانىء نقل خدمات لوجستية وإعادة تصنيع بعض المواد في المملكة لإعادة تصديرها الى أوروبا، بحيث أنه وفي غضون ست ساعات تصل الشحنة الى أي منطقة من العالم.
مشروع ضخم واستثناء دول فاشلة
ثانياً : هذا المشروع الضخم والتاريخي استثنى دولاً فاشلة من هذا الإنجاز التاريخي ألا وهي العراق وسوريا ولبنان بحيث لن يمر فيها ولن يستفيد منها أي من تلك البلدان الواقعة تحت الاحتلال الإيراني،
في الوقت الذي باع فيه العراق مقدرات الدولة لإيران وتوغّل الأسد في البعد الإيراني وبيع كل من سوريا ولبنان لإيران بتعمق في تحكّم حزب الله به.
محور دولي جديد مقبول من الشرق والغرب
ثالثاً : عندما يتوجه الرئيس الأميركي جو بايدن الى رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ محمد بن زايد بالشكر الخاص والثناء المباشر بقوله له : لولاك لما كنا هنا فلأن بن زايد ساعد كثيراً في لملمة الخلافات الدولية ولا سيما التقريب بين واشنطن والرياض، كما ساهم بن زايد في إنجاز توقيع الاتفاق التاريخي المعروف بالممر القاري، من هنا
يمكن القول إنه في قمة العشرين دخلت السعودية ومعها الإمارات وعبرهما العرب نادي اللاعبين الدوليين الكبار، بحيث بات تأثير السعودية والإمارات يتخطى منطقة الشرق الأوسط ليمتد من آسيا الى أوروبا، وبالتالي نصف الكرة الأرضية ونصف الحسابات الدولية ونصف المعادلات الدولية، وبالتالي يمكن القول إن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بدأ بتحقيق رؤيته ٢٠٣٠ وتأسيس أوروبا شرق أوسطية جديدة تستخلص المصالح شرقاً وغرباً لصالح المنطقة، وقد تمكن بن سلمان من الجمع في آن بين الناتو ومجموعة بريكس، وبين مجموعة العشرين ومجموعة بريكس، كما وبين الشمال والجنوب والشرق والغرب في محور دولي جديد مقبول من الشرق والغرب في آن.
الرياض توظّف المحاور الدولية لصالح المنطقة
رابعاً : بهذه الاتفاقية التاريخية، تمكّن بن سلمان وبن زايد من جلب مجموعة بريكس الى الناتو والهند وإسرائيل أي جمع قوى أضداد في محور واحد ثالث يجمع الشرق والغرب والشمال والجنوب .
من هنا، يمكن أن نفهم أهداف دخول الرياض الى بريكس، ليس اصطفافاً مع الشرق ضد الغرب ولا مع الجنوب ضد الشمال بل لِما هو أبعد من ذلك ألا وهو استجلاب التحالف باتجاه الغرب وبريكس الى ما هو أبعد من أهداف كل من الصين وروسيا، إذ ليس مجهولاً أن الروس يسعون من خلال بريكس الى تشكيل قوة اقتصادية ومن ثم سياسية منافسة للأميركيين والغرب ومجموعة العشرين، بينما الصين تسعى من خلال بريكس الى تشكيل تحالف اقتصادي عالمي ضخم ينافس مجموعة العشرين اقتصادياً وتجارياً ومالياً .
من هنا، يُسجّل غياب الصين وروسيا عن قمة العشرين لتثبيت تحييدهما عن أي تأثير سلبي بمجرد إدخال العرب الى بريكس.
مسار هذا الممر القاري المتفق عليه والرابط بين آسيا وأوروبا ينافس إن لم يكن يضرب طريق الحرير الصيني أو ما يُعرف بمبادرة الحزام والطريق الصيني،
وهكذا يبدو أن الرياض توظف المحاور الدولية لصالح المنطقة، وقد وصل الى الذكاء الاصطناعي فيما محور المقاومة في المنطقة يواصل مزيداً في الانحدار والتلف والسقوط.
إنهاء مفاعيل الاصطفاف على طريق شرق أوسط جديد
خامساً : ما حصل في قمة العشرين ضرب الاصطفاف الدولي وأدخل العرب المنظومة الدولية أي النظام العالمي كقوة إقليمية ودولية لم يعد بالإمكان لا الاستهانة بها ولا تجاوزها في أي مسألة دولية إقليمية أو قارية، والمهم جداً هو أن هذه القوة العالمية الجديدة تجمع بين إمكانات الشرق وحاجات الغرب وبين غنى الشمال وفقر الجنوب في نقطة جيو سياسية فاصلة ومتقاطعة هي منطقة الشرق الأوسط، ما من شأنه خلق توازن دولي بمعادلة إقليمية قارية لا تتأثر بهيمنة الشرق أو الغرب.
وهكذا يمكن القول إن السعودية والإمارات دخلتا بريكس لجلبها للغرب واستثمرتا علاقاتهما به لجلبه الى منتصف الطريق وإنهاء مفاعيل الاصطفاف على طريق شرق أوسط جديد أو أوروبا جديدة.
أوروبا الشرق الأوسط : بين شرق وغرب وشمال وجنوب باستثناء إيران وروسيا محور عالمي جديد،
أما أميركياً فإن ما حصل في قمة العشرين يمكن تلخيصه بالآتي :
أميركا ضربت بريكس بصفقاتها مع الهند والسعودية واستغلال الخلافات الهندية الصينية، وهي ضربت مبادرات الصين تجاه الخليج بحيث أخرجتها من دائرة الاحتكار التي أرادتها بكين.
أميركا ضربت أيضاً روسيا عبر إضعاف بريكس ومحاصرتها اقتصادياً وتجارياً… حتى في أفريقيا …
وللحديث تتمة …