قراءة في كتاب : عندما يخرج بومبيو عن صمته …

63d6b65a4c59b716d05ab485

تعجّ في الآونة الأخيرة على مواقع التواصل وفي وسائل الإعلام العربية والدولية، ما تضمنه كتاب مايك بومبيو، المدير السابق للاستخبارات الأميركية ووزير الخارجية السابق في عهد الرئيس دونالد ترامب من حقائق صادمة واعترافات خطيرة حول الملفات الساخنة في المنطقة والعالم.
أهمية هذا الكتاب ومضامينه أنه صادر من رجل لم ينهِ بعد حياته السياسية، وهو مرشّح لمناصب رسمية جديدة قد تكون رئاسة الولايات المتحدة من بينها، والتي أبدى بصراحة رغبته في الترشّح لها في العام 2024، وبالتالي ما كتبه يعكس من جهة الحقائق والوقائع عن مرحلة سابقة غنية بأحداثها وأبعادها السياسية، ومن جهة أخرى يعطي القارىء فكرة واضحة عن مايك بومبيو، الرجل السياسي المحنك وأسلوب عمله وتصدّيه للملفات والقضايا الساخنة بما يمكننا من استشراف ما يمكن أن تكون عليه سياسته إن هو عاد الى العمل السياسي أو الى أي منصب حساس.
مَن يقرأ مذكرات بومبيو التي صدرت في 24 كانون الثاني الفائت، يدرك بسهولة أنه جزء من حملة انتخابية مبكرة بدأها كاتبها ما، يفسّر تسليطه الضوء على براعته السياسية وذهنيته الخاصة في النظرة الى مختلف الشؤون السياسية والوطنية التي تخص الولايات المتحدة الأميركية، وبخاصة في سياساتها الدولية، والأهم من كل هذا إظهار نفسه بأنه رجل صلب في كل ما يمس بمصالح بلاده ومن هنا عنوان كتابه.
كتاب مايك بومبيو تكلّم بالطبع في قسم هام منه عن الأمور الداخلية في بلاده وبخاصة عن الديمقراطيين وموقفه ضدهم، وبخاصة ضد المتطرفين اليساريين في قلب الحركة الديمقراطية، وهو يميني متطرّف على نقيض تطرّف اليسار والديمقراطيين أراد إظهار اختلافه الجذري مع الديمقراطيين في مسائل عدة وملفات داخلية أساسية في الحقوق والحريات والبيئة والمواطنة الأميركية والعولمة ومسألة الهجرة ومراعاة الأقليات والتوجهات الاجتماعية لديها، وسواها من مسائل ساخنة في الحياة السياسية والوطنية الأميركية، لتبيان مدى الاختلاف مع ما يسميه " باليسار المتقدّم ".

ما يهمنا في ما تضمنه كتاب مايك بومبيو الحقائق والمعلومات المتعلقة بالوضع في المنطقة، من خلال أبرز ملفاتها والتي سنتوقف عندها في الآتي :

  • أولاً : دائماً ومن منظار تظهير الاختلافات الجذرية في سياسات وأساليب الحكم بين إدارة الرئيس ترامب وإدارتي الرئيسين أوباما السابقة وبايدن الحالية، وحديثه عن أهمية ما تم إنجازه في سبيل تصحيح الأخطاء التي ارتكبتها ولا تزال الإدارتان الديمقراطيتان الى الآن، وعلى رأس تلك الأخطاء، كما يقول بومبيو، توقيع واشنطن الاتفاق النووي مع إيران عام 2015 والذي صبّ لصالح النظام الإيراني الشمولي التيوقراطي الدكتاتوري.
    يقول بومبيو إنه، وبعد خروج الولايات المتحدة في عهد الرئيس ترامب من الاتفاقية، أبدت إدارته الرغبة في إبرام اتفاقية جديدة مع الإيرانيين، داعياً الجانب الإيراني للعودة الى التفاوض لإبرام اتفاق جديد تحت طائلة رزمة عقوبات غير مسبوقة إن هم رفضوا.
    تلك العقوبات اقتضت، لتكون فعّالة ضد إيران، أن تقيم إدارة ترامب علاقات مع كل دول العالم من دون استثناء ما اثار حفيظة اليسار الديمقراطي في أميركا، خاصة وأن هذا الانفتاح تخلله توثيق علاقات إدارة ترامب مع دول في الشرق الأوسط سجلُها بنظر الديمقراطيين المعنيين بحقوق الإنسان من أسوأ ما يكون.
    بومبيو ردّ في كتابه على هذا الإدعاء الديمقراطي اليساري بالإشارة الى الكيل بمكيالين اعتمده الديمقراطيون في عهد الرئيس أوباما بتعزيز العلاقات مع الجمهورية الإسلامية في إيران وجعلها حجر زاوية لسياسات واشنطن في المنطقة رغم سجلها الأسود في حقوق الإنسان، وبالتالي الدول التي وثّقت إدارة ترامب علاقاتها بها لم تكن لتكون أكثر سوءاً من إيران في هذا المجال مع فارقين بالنسبة اليه : الأول أن الأنظمة التي أقامت إدارته علاقات وثيقة معها راغبة في التعامل مع الولايات المتحدة، بينما إيران ترغب في تدمير أميركا، والثاني أن الرئيس أوباما أراد علاقات عميقة مع إيران إن نجح في إبرام الاتفاق النووي مع طهران بجعلها أساس سياسة واشنطن في المنطقة،
    وقد وصف بومبيو علاقات إدارة ترامب مع دول منطقة العالم العربي بما فيها تركيا بالعلاقات النفعية أو المصلحية.
  • ثانياً : يشير بومبيو في كتابه الى أن أكثر ما أغضب الديمقراطيين واليسار في بلاده علاقة أدارته المتميزة بالمملكة العربية السعودية على خلفية مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي، بحيث يصف بومبيو ما حصل في القنصلية السعودية في تركيا في حق جمال خاشقجي بالوحشي والقبيح والشائن وغير القانوني.
    ويستطرد بالقول إنه لم يتفاجأ من قسوة هذا العمل وهو الذي اعتاد على رؤية مثل هذه الأعمال في علاقاته مع دول المنطقة على مرّ تاريخه السياسي، وهو بالتأكيد يمقتها ويرفضها، الا أن ما أثاره ردة فعل الكثيرين التي وصفها " بالاصطناعية " والمبالَغ فيها، معتبراً أن خاشقجي لم يكن صحافياً بل ناشطاً سياسياً، وبالتالي لم يكن صحيحاً تصوير مقتله على أنه جاء على خلفية مواقفه الإعلامية أو مقالاته الصحافية، خاصة وأن كل السياسيين يكتبون بين الفينة والأخرى مقالات لا تجعل منهم صحافيين.
    وإعتبر بومبيو خاشقجي أنه كان جزءاً من معركة على السلطة في المملكة العربية السعودية وكان القتيل يقف على طرفٍ نقيض من العرش السعودي، ولم يكن موافقاً على نفيه من المملكة، في الوقت الذي كان فيه على علاقات قوية بجماعة الأخوان المسلمين الداعمة للإرهاب، وفق تعبير بومبيو، وكان خاشقجي قد عبّر علناً عن حزنه لوفاة أسامة بن لادن، ومع ذلك لم يكن يستحق الموت.
  • ثالثاً : يكشف بومبيو في كتابه كره الديمقراطيين واليسار لشخص ولي العهد محمد بن سلمان رغم أن الرجل يقود أكبر عملية إصلاح ثقافي في تاريخ المملكة، وسوف يُثبت أنه قائد تاريخي ليس فقط في بلاده ومنطقته بل وأيضاً على المسرح العالمي.
    الحملة الديمقراطية القوية والضروس ضد ولي العهد السعودي أثّرت حتى على بعض القيادات الجمهورية كالسيناتور لاندسي جراهام الذي أعلن مقاطعته المملكة حتى تدمير ولي العهد.
    ويشير بومبيو في كتابه الى أن الرئيس ترامب كلّفه بزيارة المملكة العربية السعودية ولقاء ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وإبلاغه بأنه مدين لإدارته كونها تدافع عنه في وجه الحملة الشرسة ضده، مضيفاً أن محتوى المباحثات سري، مكتفياً بالإشارة الى أن الاتفاق كان تاماً على تقوية العلاقات الثنائية لمصلحة البلدين.
    وهنا يكشف بومبيو عن عدم وجود أي ربط بين مقتل خاشقجي وولي العهد محمد بن سلمان بموجب معلومات وتقارير أجهزة المخابرات الأميركية، وأن كل الاتهامات بُنيت على فرضية أن رجلاً بمنصب ولي العهد لا بد وأن يكون على علم بجريمة بهذا الحجم، الأمر الذي لا يُعدّ دليلاً بل تخميناً ليس الا .
    ويردف بومبيو قائلاً إنه، وعلى افتراض أن بن سلمان قاتِل فإنه ( أي بومبيو ) قد التقى في خلال حياته على رأس الاستخبارات الأميركية العديد من الشخصيات والقادة في العالم المتورّطين في جرائم من هذا النوع، بما لا يجب أن يدعنا نقطع علاقاتنا مع تلك الدول لهذه الحجة.
  • رابعاُ : تناول بومبيو الاتفاقات الإبراهيمية بين إسرائيل وكل من دولة الإمارات ومملكة البحرين والسودان والمغرب، معتبراً أنها إنجاز عظيم ما كان ليتم لولا إرادة الله بحسب كلامه، معتبراً أنه من أسباب تحقق الاتفاقيات هذه الخطر المشترك لإسرائيل والعرب وهو إيران مشيراً الى أنه بفضل الخطر الإيراني انقسمت المنطقة بين معسكر السلام وفيه إسرائيل الى جانب العرب والخليجيين، ومعسكر الدمار بقيادة إيران وحلفائها الإقليميين وميليشياتها والأنظمة الموالية والمتحالفة والجماعات الإرهابية التي تحتضنها إيران جميعها، بحيث أن إدارة ترامب وخلافاً لكل الإدارات السابقة لم تعد ترى المسألة في الشرق الأوسط بالمنظور الكلاسيكي للصراع التقليدي، بل من منظار فرز المنطقة الى المعسكرين أعلاه، ومن هنا الاستراتيجية الجديدة التي نجحت في عهد الرئيس ترامب وإدارته .
    ويكشف بومبيو أن إدارته كانت قريبة جداً من أن تصبح المملكة العربية السعودية خامس دولة مطبّعة مع إسرائيل، لكن القرار النهائي بهذا الموضوع كان في يد الملك سلمان نفسه في حين، وبحسب بومبيو، لم يكن ولي العهد ممانعاً للتطبيع فأعطى موافقته الضمنية على الاتفاقيات الإبراهيمية الأخرى، معتبراً أن العالم يجب أن يكون مديناً له، إذ ليس من السهل على حاكم المملكة أن يبارك اتفاقيات مع إسرائيل .

والمعلوم في هذا الصدد أن موقف المملكة الرسمي من التطبيع معروف ومعلن أكثر من مرة من أعلى مراجع القيادة السعودية، وقد عبّر عنه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في حديثه الشهير لمجلة " اتلنتك "، وهو موقف واضح وصريح ومباشر بأن لا تطبيع بين المملكة وإسرائيل قبل تنفيذ حل الدولتين ومنح الفلسطينيين دولة عاصمتها القدس الشرقية وان إسرائيل حليف محتمل.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: