قمة العشرين : تفجير قنابل جيوسياسية تاريخية من العيار الثقيل !

78353cef-62f2-477d-90e6-b4567dcb7e73

طغت مأساة زلزال المغرب في الساعات الماضية على ما عداها من أخبار دولية كان أهمها وأبرزها، لا بل أخطرها في المعاني والرسائل والوقائع انعقاد قمة العشرين في الهند .
هذه السنة، قمة العشرين فجّرت قنابل من العيار الثقيل قطعت في البعض منها الشك باليقين وساهمت في استشراف بعض معالم المرحلة المقبلة على الصعيد الدولي .

خلافات على ملفات الحدود بين الصين والهند

نبدأ من أبرز القنابل التي فُجّرت في هذه القمة :
 

  • أولاً : غياب الزعيم الصيني شي جين بينغ لأول مرة عن القمة، وفي هذا السياق يمكن ربط الغياب الصيني بعاملين مهمين جداً : الأول : تفاقم الخلاف الصيني- الهندي المستحكم منذ سنوات على خلفية ملفات الحدود، بالتزامن مع دعوة وجّهتها بكين مؤخراً لنيودلهي للتهدئة وملاقاتها في منتصف الطريق، لنزع فتيل التوتر، فيما كان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي يوقّع اتفاقات جديدة في فرنسا، أبرزها عسكرية، في دلالة مهمة وإضافية على حجم ما ترى فيه الهند من تحديات جيوسياسية تواجهها، ومنها المعضلة الحدودية المتواصلة في الهيمالايا، هذا مع العلم أن الصين هي ثاني أكبر شريك تجاري للهند، وعلى الرغم من العلاقات المتوترة، بينما نجد نيودلهي تسعى ومنذ فترة إلى تقييد الأعمال والاستثمارات الصينية داخل الهند، وتوسيع وتنويع شراكاتها، لا سيما مع أوروبا والولايات المتحدة، مع فرض إجراءات مشدّدة على حصول رجال الأعمال الصينيين على تأشيرات دخول للهند.

الثاني : إقرار مشروع ربط الهند بأوروبا من خلال الاتفاق على تشييد خط سكة حديدية للنقل، مروراً بدول الخليج وتحديداً الإمارات والسعودية وحيفا في إسرائيل، وصولاً الى القارة الأوروبية، ما يشكّل ضربة لطموحات الصين ببناء طريق الحرير الذي من المفترض أن يربط الصين وأوروبا والشرق الأوسط .
 
قمة أقوى إقتصاديات العالم

  • ثانياً : كرّست القمة قوة الهند العالمية اقتصادياً وجيو استراتيجياً بحيث نجحت الهند في عهد رئيس وزرائها مودي في أن تصبح من بين أكبر وأقوى الدول في المجموعة المتحكّمة بأكبر اقتصاديات العالم، كما نجحت في أن تحتضن ليس فقط القمة لأقوى اقتصاديات العالم بل وأيضاً في احتضان اللقاء الإماراتي- السعودي وبشائر التطبيع السعودي- الإسرائيلي والتقارب السعودي- الأميركي في آن .
    وفي هذا السياق، نشير الى المصافحة التي حصلت بين ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ورئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد بحضور المستشار الألماني أولاف شولتز على هامش أعمال القمة، بما دحض كل ما أُشيع في وسائل الإعلام مؤخراً عن وجود خلافات حادة بين الرجلين وجفاء في التعاطي بينهما، وقد نشرت مؤخراً مواقع البي بي سي والوول ستريت جورنال وصحيفة الغارديان مقالات حول وجود هذه الخلافات وتحوّل العلاقة الى عداء وخصومة.
    والواضح أن وقوف الرجلين مع المستشار الألماني جاء في سياق تبادل الأحاديث حول أوضاع وملفات القمة وليس من باب التصالح بحسب ما أظهرته الصور التي التقُطت والتي تم نشرها عبر وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي.
     

ممرات عبور خضراء عابرة للقارات

  • ثالثاً : توقيع السعوديين مع الأميركيين من خلال ولي العهد محمد بن سلمان والرئيس الأميركي جو بايدن على مذكرة تفاهم ثنائية تحدّد أطر التعاون بينهما لوضع بروتوكول يُسهم في تأسيس ممرات عبور خضراء عابرة للقارات من خلال موقع المملكة الذي يربط جيو سياسياً قارتي آسيا بأوروبا.
    وكان موقع اكسيوس قد نشر قبل انعقاد القمة في الهند تقريراً تنبأ بتوقيع السعوديين مع الأميركيين على مذكرة تفاهم لإقامة مشروع ربط الهند بالشرق الأوسط وأوروبا، ما يتطلب انعقاد قمة سعودية- أميركية، وبالفعل انعقدت تلك القمة وقد أعلن أيضاً أثناء أعمال قمة العشرين عن قيام هذا المشروع.
    وبموجب هذا المشروع، فإن الهند سوف تُربط بأوروبا عن طريق الشرق الأوسط وتحديداً الخليج من خلال خط تجارة بينية مع الإمارات، مرفق به خط نقل بحري أو كابل بحري للكهرباء والإنترنت وطاقة ونقل، على أن يتم نقل الحمولات من الإمارات الى السعودية عبر خط سكة حديد، ثم الى الأردن فإسرائيل وصولاً الى ميناء حيفا حيث يتم تحميل البضائع على سفن تصل أوروبا .
    والجدير ملاحظته أن مثل هذا المشروع سيشكل ضربة لقناة السويس ودورها الدولي في مرور التجارة الدولية عبرها بنسبة كبيرة، ما سينعكس سلباً على دور ووجود تلك القناة، علماً أن مَن اقترح المشروع أساساً كانت إسرائيل بحيث أن خط سكة الحديد سيساهم مساهمة كبيرة في السياحة والتجارة الدولية والتبادلات الاستثمارية.

قنبلة تكريس خط التطبيع السعودي- الإسرائيلي

من هنا، القنبلة الأخرى التي فجّرتها قمة العشرين في الهند كانت قنبلة تكريس خط التطبيع السعودي- الاسرائيلي انطلاقاً من هذا المشروع، فواشنطن فعلت فعلتها في القمة ونجحت في استبدال الصين وطريق الحرير بالهند لإقامة الربط بين آسيا والشرق الأوسط وأوروبا، ضاربة عرض الحائط المشروع الصيني الموازي والمعروف بخط الحرير، إذ تكفي نظرة مقارنة الى خريطة كلي المشروعين ومسارهما والدول والقارات التي يقطعهما لتبيان حقيقة القنبلة الأميركية- الهندية التي فُجّرت في القمة على صعيد الربط القاري والتطبيع السعودي الإسرائيلي على طريقه.
واشنطن ردّت على الصين، سواء على صعيد مبادرتها مع دول الخليج أثناء زيارة الزعيم شي جين بينغ للسعودية والقمتين السعودية- الصينية والصينية- الخليجية أم على صعيد ردّ واشنطن على مشروع انضمام السعودية والإمارات الى مجموعة "بريكس" من خلال لعب ورقة اجتذاب الهند الحليفة والسعودية والإمارات الى صفها، وهذا ما يُفسّر الى حد بعيد اعتبار البيت الأبيض منذ فترة، وعلى إثر انعقاد قمة دول بريكس أن هذه المنظمة لا تشكل خطراً على مصالح الولايات المتحدة الأميركية.
 
شبكة سكك حديد بين إسرائيل والمملكة

ولا يجب أن يغيب عن بالنا بأن المشروع الجيو استراتيجي المشار اليه أعلاه كان سبق وعُرض في اجتماع ما سُمّي بقمة "أي تو يو تو" مؤخراً، والتي كانت ضمت أميركا وإسرائيل والإمارات والهند، كما أن إسرائيل باشرت منذ فترة ببناء شبكة خط الحديد لوصله بالرياض.
 
ويلاحظ أن تحركاً ديبلوماسياً أميركياً تصاعدياً يحصل منذ أيام، ومنه اتصال وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن بالرئيس الفلسطيني محمود عباس، بالتزامن مع وجود وفد فلسطيني في الرياض مؤخراً التقى مسؤولين أميركيين رفيعي المستوى للبحث في مطالب الفلسطينيين، تمهيداً لتسهيل السكة أمام حصول التطبيع السعودي- الإسرائيلي في ضوء الشرط السعودي الأول بإيجاد حل للقضية الفلسطينية كما سبق وذكرنا في مقالات مفصلة سابقة.
 
البيت الأبيض يُخرج الأرانب الكبيرة

إن إقرار وتنفيذ هذا المشروع أو ما سُمّي بالممر الآسيوي الشرق أوسطي- الأوربي من شأنه أن يزيد كلاً من دولة الإمارات والمملكة العربية السعودية قوة اقتصادية على المستوى الدولي، وهما الممران الإلزاميان لهذا المشروع الآسيوي- الأوروبي، مع ما يعنيه ذلك من مضاعفة دوريهما على الساحات الدولية السياسية والاستراتيجية، والأهم تحكمهما بخط الإمدادات من والى إسرائيل، فيما يبدو أن البيت الأبيض الديمقراطي الباحث واللاهث وراء إنجازات تاريخية دولية تضمن له ولاية رئاسية ثانية لا يبخل في إخراج الأرانب الكبيرة وتفجير القنابل السياسية والديبلوماسية المنقطعة النظير، بالتوازي مع حاجة نتانياهو لانتصار إقليمي كبير يُسكت المعارضة الداخلية المتصاعدة ضد حكومته.
 
قمة العشرين في الهند وضعت اللبنات التأسيسية لنظام إقليمي ودولي اقتصادي وجيو سياسي جديد من شأنه تغيير وجه المنطقة والعالم، كما بيّنت عورات العلاقات بين أركان تأسيسيين أساسيين لمجموعة بريكس الا وهما الهند والصين بالدرجة الأولى، وأظهرت قدرة واشنطن على ردّ الصاع صاعين للصين وبريكس، والذهاب الى أبعد ما يمكن من أجل اجتذاب الهند والسعودية والإمارات الى مشاريعها التي تصبّ بالنهاية في جزء أساسي منها لمصلحة تحقيق التطبيع الإسرائيلي- السعودي الذي تريده مهما كلفها الأمر …

" بازل" القارات الثلاث

إشارة أخيرة الى أنه، وفي لحظة كتابة هذه السطور، انتشر خبر وصول وفد إسرائيلي رسمي الى الرياض.

تتجمّع شيئاً فشيئاً قطع البازل puzzle في المنطقة بالتزامن مع بدء ربط قارات ثلاث اقتصادياً وتنموياً وتجارياً … وسياسياً لاحقاً …

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: