تتقاطعُ المعلومات حول دعوة رأس النظام السوري بشار الأسد الى قمّة البحرين انطلاقاً من رغبةٍ عربيةٍ باستكمال خارطة الطريق الخاصة ببيان عمان، والذي وضعَ تصوّراً عربياً متكاملاً للحل في سوريا مبنيّاً على طرد الإيرانيين وسيطرة الدولة السورية على الشمال السوري ووقف تجارة الكابتاغون وتغيير هيكلية النظام السوري وبدء الانفتاح على المعارضة وولوج الخطوات الأولى للسير بإعداد دستورٍ جديدٍ أي باختصار استكمال السير بالخطوات الآيلة الى تطبيق القرار الأممي 2254 ولو مجزّأ في بعض بنوده.
- حلول سياسية أم تشكيل كانتونات سورية؟ في الآونة الأخيرة، لوحظ بدء الأسد خطوات نحو الاتجاه المُشار اليه من خلال تشكيله أمانةً عامةً لرئاسة الجمهورية السورية مع تقليص صلاحيات الرئيس في الجيش وتعيين كوادر مثل علي مملوك وانتقال الصلاحيات الأمنية والعسكرية والوزارية محاولةً من الأسد لإيهام العرب أنه بدأ يلتزم بمقرّرات عمان وتصوّر خارطة الطريق العربية، علماً أنه في النهاية لن يقبل بالتنازل أكثر كي لا يفقد السيطرة على ما تبقّى من سوريا، وعليه وافقت القيادات العربية على شرط الأسد الوحيد المتمثّل بإعلان جهوزيته للتصالح مع المعارضات في مقابل تمكين الدولة السورية من السيطرة على كامل التراب السوري عدا شرق الفرات طبعاً نظراً لوجود الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها من قسد والعشائر العربية المتحالفة مع قوات التحالف الدولي والدول العربية، إذ إن منطقة شرقي الفرات باقية في أيدي التحالف الدولي- العربي- الكردي- الأميركي كورقة ضغطٍ على الأسد والإيرانيين نظراً لغنى المنطقة بالموارد النفطية والغازية لحملهم على القبول بالحل السياسي كسببّ لانفتاح شرقي الفرات عليهم وإلا السير نحو تشكيل كانتونين سوريين.
العرب والأتراك والإيرانيون والروس وافقوا على تسليم الدولة السورية شمال سوريا أي عفرين والباب وجرابلس لكن الأسد رفض تسلّم تلك المناطق، مفضّلاً تنفيذ عمليات جراحية موضعية عسكرية بتنسيق مخابراتي وعسكري عميق بين الإيرانيين والأتراك والروس، فالرئيس السوري يُدرك بأنه متى تسلّمَ الشمال السوري وتصالحَ مع الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، فإنه بذلك سيقبل بالانتقال الى مرحلة التغيير السياسي في سوريا وفي الحكم وهو ما ليس في صالحه.
الموضوع الإيراني بات جليّاً بعدما أبلغ الأسد الدول العربية بعجزه عن إنهاء الوجود الإيراني في سوريا، طارحاً في المقابل غضّ النظر عما تفعله إسرائيل والتعاون مع الإسرائيليين اذا اقتضى الأمر لإعطائهم الإحداثيات التي تمكّنهم من استهداف القادة والقيادات الإيرانية في سوريا وميليشيات إيران.
من هنا، كان موقف الأسد بالإيعاز لكافة الأجهزة التابعة له بعدم الردّ على أي اعتداء إسرائيلي يستهدف إيران في سوريا، ونذكّر بهذا الصدد بالاصوات التي بدأت تتعالى في الساحل السوري الموالي للأسد والتي تهاجم الوجود الإيراني وآخرها ظاهرة “بشار برهوم” الموالي للمخابرات السورية والذي دُفع لمهاجمة الإيرانيين بموافقة النظام السوري ورضاه.
- لا تعافي لسوريا واقتصادها بوجود الأسد
الأمر الذي بات أكيداً هو أن هيكلية الدولة السورية الحالية باقية بمؤسساتها الراهنة كافةً بقرارٍ أميركي- دولي- عربي، أما موضوع بشار الأسد فهو الموضوع الوحيد المؤجل لاسيما وأنه لن يسمح له بحكم سوريا، من هنا لا تعافي لسوريا ولا اقتصاد مستدام ولا حلّ سياسي بوجود الأسد، الذي لا يزال الى الآن، كما هي الحال في السويداء حالياً، يستخدم القمع والتنكيل بأهل المحافظة وقد ارتكبوا خطأ كبيراً عندما انتفضوا بأنهم لم يبلوروا مشروعاً وطنياً وحدوياً يجمع كل أطياف المعارضة الحقيقية للنظام وتعمل على توحيد المناطق الخارجة عن سيطرة النظام والإيرانيين باتجاه تكوين مناطق محرّرة تربط شمال شرقي الفرات بالجنوب الشرقي والجنوب الغربي حتى محافظة درعا.
- مشروع شرق الفرات وحده يحقّق وحدة سوريا
في هذه الأجواء، يتمُّ استدعاء الأسد الى القمّة العربية ليتمكّن العرب من حثّه على تنفيذ ما اتُفق عليه وليس لسواد عينيه، والأسد وافق على الحضور مقابل وعود بدعم سوريا مالياً واقتصادياً لتمكين الدولة السورية من السيطرة على كامل التراب السوري كما يُقال عدا شرق الفرات كما ذكرنا باعتبار هذه المنطقة ورقة ضاغطة على الأسد للقبول بالحل السياسي برعاية دولية وخليجية ولا سيما السعودية والإمارات، وما يجب الإشارة اليه في هذا السياق أن مشروع شرق الفرات هو المشروع الوحيد حالياً على الساحة السورية الذي يحقّق وحدة سوريا كنواة لهذه الوحدة، وهو ورقة ضغط على النظام بأدوات كثيرة منها الاقتصاد والتنظيمات وتنظيم المرافق العامة وتحديث البُنى التحتية والتنمية والتطوير …
- محاولة عربية لاستعياب الأسد من خلال مسارَين
المعارضة السورية التقليدية من جهتها تخسر يوماً بعد يوم كامل أوراقها ونقاط قوتها بعدما انقلبت على ذاتها بالتصفيات الداخلية والتفتيت الى أطراف مذهبية عقائدية مشرذَمة، حتى تركيا لم تعد تقوى على تنظيمها فتتركهم يتقاتلون ويتذابحون لإنهاء أنفسهم بأنفسهم.
من هنا، فإن الشمال السوري مرشّحٌ للتفكّك في ظل تصاعد التراشق بالفضائح بين الفصائل المتناحرة وثمة محاولات للملمة التشرذم الحاصل، وإتمام توافق تركي- سوري- إيراني في ظل استمرار المحاولة العربية لاستيعاب الأسد انطلاقاً من مسارين أساسيين :
الأول: العمل على طرد الإيراني وتفكيك ميليشيات المعارضة المشرذمة،
الثاني: عودة الدفع باتجاه تحقيق المسار السياسي للحل.
من هنا، فإن توقعاتنا تشير الى أنه، وفي خلال هذا الصيف، سيتمُّ تسليم الشمال السوري للنظام والروس في ظل استمرار التصفيات بين ميليشيات المعارضة بعضها ضد بعض مع احتمال عودة انضمام قسم منهم الى النظام السوري فيما الآخرون ستتمُّ تصفيتهم تركياً.
كل هذه الحسابات ستكون على طاولة القمّة العربية المقبلة في البحرين بما يختصّ بالملف السوري ولهذه الأسباب سيحضر الأسد القمّة لكن الطريق تبقى طويلة للوصول بسوريا الى شاطئ الأمان والسلام والحكم الجديد بلا بشار الأسد لاسيما وأن المعارضة السورية فشلت فشلاً ذريعاً وهي التي لو كانت موحّدة ومتضامنة ومعتدلة لتمكّنت من تشكيل بديل حالي لبشار الأسد وجماعته توفّر على العرب القبول على مضض بالأسد والاستمرار في التعويل على تعاونه وتقليبه على الإيرانيين والتوصّل الى إيقاف مخالفاته وجرائمه وآخرها المخدرات والتهريب.
- مشهدية مبعثرة وعدم توازن سياسي وأمني
السويداء في مهب الريح لأن النظام السوري قرّر الانتقام منها، فيما درعا ستبقى لفترة طويلة مسرح ضرب الإيرانيين من قبل إسرائيل، والأردن قاب قوسين أو أدنى من تنفيذ عمليات في الجنوب السوري لحماية أمن المملكة القومي.
هي مشهدية سورية مبعثرة يحاول العرب لملمتها ليس حباً ببشار الأسد بل ضنّاً بالدولة السورية وما تبقى منها ليُبنى عليها حلٌ سياسي وهيكلية ما موجودة لكن الإنجازات لا تزال تتطلّب وقتاً وجهوداً، مع ما يعنيه ذلك من إبقاء لبنان والأردن والعراق في حالة عدم توازن سياسي … وأمني عسكري …