صادق البرلمان الفرنسي، الخميس، على إلغاء اتفاقية الهجرة بين الجزائر وفرنسا الموقعة عام 1968، في خطوة صنفها مختصون على أنها استمرار للأزمة السياسية بين البلدين، رغم أن خلفياتها وتداعياتها ستبقى محصورة على الداخل الفرنسي.
تعتبر الاتفاقية استمرارا لاتفاقية "ايفيان" التي أسست لاستقلال الجزائر عن فرنسا سنة 1962، والتي منحت الجزائريين وضعاً خاصاً واستثنائياً مقارنة بمهاجري الدول الأخرى، حيث جاءت لتنظيم حركة العمال الجزائريين وضمان حقوقهم في فرنسا، بنصها على عدة بنود، من بينها تحديد دخول 35 ألف عامل جزائري إلى فرنسا سنوياً مدة 3 سنوات، ومنح المهاجرين الجزائريين امتيازات عدة، منها تصاريح الإقامة ولمّ شمل الأسرة، وميزات أخرى في مجال العمل والإقامة، رغم التعديل الذي طرأ عليها سنة 2001، حيث نصَّ على الضمان لأفراد العائلة المهاجرة الحق في الحصول على العلاج الصحي والعمل والتعليم.
وترك إلغاء الاتفاقية، في ظرف سياسي حساس يعيشه البلدان، تساؤلات منها هل سيكون للخطوة تداعيات على حياة المهاجرين الجزائريين في فرنسا أو أنها مجرد خطوة بقراءات سياسية يدعمها اليمين المتطرف في فرنسا؟
في هذا الشأن رأى أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر، العيد زغلامي، أن "فرنسا اليوم تتخبط في أزمات سياسية داخلية، وأزمات اقتصادية واجتماعية، وفي الوقت الذي كان يُرتقب أن تتم المصادقة على ميزانية 2026، نرى البرلمان الفرنسي مشغولا باتفاقية المهاجرين الجزائريين".
وأضاف زغلامي أن "خلفية مصادقة النواب الفرنسيين على مشروع قرار لإلغاء اتفاقية 1968 بين فرنسا والجزائر، هي محاولة جعل الجزائر في قلب الصراع الفرنسي-الفرنسي، أي قضية داخلية، كون العلاقة بين الجزائر وفرنسا اليوم أصلا متوترة وتكاد تكون منقطعة، وبفعل الاستفزازات الفرنسية، ولا أقول استفزازات اليمين المتطرف فقط".
أما عن إلغاء الاتفاقية، أضاف زغلامي أنها "لا حدث"، وأوضح قائلا: "الاتفاقية التي وقعت بعد ست سنوات من استقلال الجزائر، جاءت لتعطي للجالية الجزائرية بعض الامتيازات مقارنة بالمهاجرين من دول أخرى، على غرار السكن أو العمل أو نقل العائلة وغيرها، لكن كل تلك الامتيازات أُفرغت من محتواها، بفعل قرارات أُخرى تعسفية تم اتخاذها في السنوات الماضية ضد المهاجرين الجزائريين، ما يعكسه تصريح برونو ريتايو الذي قال إنه لا يعترف بجوازات السفر التي تمنح من طرف القنصليات والسفارات للجزائريين المقيمين في فرنسا".
وعما تعنيه الخطوة، حسب المختص: "فرنسا تعبر عن نيتها، ولا تريد علاقات متوازنة بين الجزائر وفرنسا، فاليد الممدودة التي قدمها الرئيس عبد المجيد تبون لم تجد صدى، بسبب اليمين المتطرف الذي يزيد التوتر بين الطرفين، ومن ذلك جعل قضية التأشيرات ورقة ضغط واستفزاز في الجزائر".
ورغم هذا، أكد الأستاذ بجامعة الجزائر أن "الجزائر لديها مخارج ومنافذ وعلاقات متطورة سواءً مع إيطاليا أو إسبانيا مؤخرا وبلجيكا والبرتغال وصولا إلى زيارة الرئيس المرتقبة إلى ألمانيا، ما يعني أن الجزائر ليست حبيسة هذه القضايا، ولا تخضع إلى الضغوط الفرنسية ولديها منافذ وتعدد في العلاقات".
وبالتالي، فإن خطوة البرلمان الفرنسي، حسب زغلامي "لا تعدو كونها حسابات فرنسية-فرنسية، وحملة انتخابية مبكرة، بالنسبة للانتخابات المحلية في مارس 2026، والانتخابات الرئاسية لسنة 2027".
وعن آثار إلغاء الاتفاقية على الجالية الجزائرية في الخارج، أضاف: "الجالية الجزائرية مقيمة بطريقة قانونية، وما بين 3 إلى 4 ملايين جزائري يملكون جنسية مزدوجة، وبالتالي لا يحتاجون إلى تلك الامتيازات، وحتى في قضية الأمر بطرد الجزائريين المتواجدين بطريقة غير قانونية في الأراضي الفرنسية، فإن الطريق مسدودة، لأن الجزائر اشترطت لأي ترحيل أن يمر عبر السفارة، والتسريح القنصلي والديبلوماسي".
واستبعد زغلامي أن "ترد الجزائر، لأن كل شيء محسوم، والاتفاقية مفرغة من محتواها منذ سنوات، ومع ذلك ستأخذ الدولة الجزائرية هذه الخطوة بعين الاعتبار".
وعن الأوراق المتبقية لليمين المتطرف، أضاف أن "هذا الجناح فقد كل مصداقيته، وهو يزيد الأمور تعقيدا بين الجزائر وفرنسا، كونه يجعل من العلاقات بين البلدين هاجسا له، ويوظف التصعيد ضد الجزائر لحسابات سياسية".
وبالتالي "هو لا يملك أية أوراق يلعبها مستقلا، خاصة أن الوضع الفرنسي حاليا رديء على جميع الصعد، السياسية والاقتصادية والاجتماعية، كون وكالات التقييم للاقتصاد الفرنسي صنفت فرنسا في وضعية مزرية، بإحصاء 3500 مليار يورو كديون".