تنطلق بعد غد الثلاثاء انتخابات التجديد النصفي في الولايات المتحدة الأميركية وسط ترقّب محلي ودولي لنتائج هذه الانتخابات التي ستكون بمثابة استفتاء على ولاية الرئيس جو بايدن و"بروفة" مصغّرة لانتخابات الرئاسة في العام 2024.
ويكثف الديمقراطيون، وعلى رأسهم الرئيس جو بايدن، جهودهم للحفاظ على سيطرتهم على مجلس النواب، وحصد الغالبية في مجلس الشيوخ من أجل تمرير مشاريع قوانين وخطط إدارة بايدن الديمقراطية ودعم سياساته، فيما يسعى الجمهوريون بكل قوة لعرقلة خططه لا بل تغيير وجهاتها المعلنة وركائزها الاستراتيجية.
إقبال الناخبين في انتخابات التجديد النصفي عادةً ما يكون أقل من الرئاسية، غير أن هناك ولايات متأرجحة قد تحسم الأمر وهي تلك التي يعوّل عليها الديمقراطيون للفوز، فضلاً عن دور التصويت المبكر الذي دعا اليه الحزب الديمقراطي بكل قوة.
والمعروف دستورياً أن انتخابات التجديد النصفي تُجرى كل عامين، وتُسمى بالانتخابات النصفية لأنها تأتي في منتصف فترة ولاية الرئيس التي تمتد لـ 4 سنوات.
ينقسم الكونغرس إلى مجلس النواب ويشمل 435 عضواً يمثلون الولايات بحسب حجمها السكاني، أما مجلس الشيوخ فيضم 100 سيناتور، بما يعني أن هناك برلمانيين إثنين يمثلان كل ولاية بصرف النظر عن وزنها السكاني.
دستورياً، أعضاء مجلس الشيوخ يمكثون لفترة 6 أعوام، بينما النواب يخدمون لمدة عامين فقط ويمثلون مناطق أصغر داخل الولاية، ويصوّت الأميركيون في هذه الانتخابات على جميع مقاعد مجلس النواب إلى جانب ثلث مجلس الشيوخ، وفي اليوم ذاته تجرى الانتخابات التشريعية المحلية للولايات الـ 50، كما يتم انتخاب حكام جدد لـ 36 ولاية.
ومن ضمن صلاحياته الدستورية، يقوم الكونغرس بسنّ القوانين بعدما يقرر النواب أي قوانين يجري التصويت عليها، بينما يحق لمجلس الشيوخ منعها أو الموافقة عليها، وكذلك المصادقة على تعيينات كبار الموظفين التي يجريها رئيس البلاد، ونادراً ما يطالب بأي تحقيقات ضد شاغل البيت الأبيض.
هناك حزبان رئيسيان في الولايات المتحدة، الحزب الديمقراطي الذي يُنظر إليه على أنه يساري صاحب آراء ليبرالية تقدمية، والحزب الجمهوري الذي يُنظر إليه باعتباره يمينياً محافظاً، علماً أن الرئيس جو بايدن ينتمي الى الحزب الديمقراطي الذي يسيطر حالياً على مجلسي الكونغرس، ورغم أنها "أغلبية طفيفة" إلا أنها مكّنت بايدن من إنجاز ملفات هامة وحاسمة، حيث يجب أن تحصل برامجه مثل الرعاية الصحية، ومشروع قانون مكافحة تغير المُناخ والضرائب، على موافقة الكونغرس أولاً.
في لعبة التوازنات الداخلية للكونغرس يجب لفت الانتباه الى أن عدد النواب الديمقراطيين 222 (بينهم استقالتان فيتبقى 220) بينما يبلغ عدد الجمهوريين 213 نائباً (توفي نائب فيتبقى 212)، فيما عدد النواب في مجلس الشيوخ 50 للديمقراطيين ومثلهم للجمهوريين لكن الديمقراطيين يملكون الأغلبية عبر نائبة الرئيس كامالا هاريس التي تمتلك حق "كسر التعادل" من خلال التصويت بوصفها رئيسة مجلس الشيوخ.
من هنا حاجة الجمهوريين من أجل السيطرة على زمام الأمور الى 5 مقاعد إضافية في مجلس النواب، ومقعد واحد إضافي في مجلس الشيوخ.
في استطلاعات للرأي نُشرت مؤخراً في الولايات المتحدة الأميركية، أظهرت أن أبرز القضايا التي تشغل بال الأميركيين في هذه الانتخابات تُختصر في المواضيع الآتية : التضخم خاصة مع وصوله إلى أعلى معدل منذ أربعة عقود وأسعار الطاقة والانقسام السياسي والخشية من العنف الداخلي وحق الإجهاض وانتشار الأسلحة النارية.
يعتبر المحلل السياسي الأميركي أندرو بويفيلد إنها انتخابات مفصلية، إذ سيكون لنتائجها تأثير كبير على أجندة بايدن والديمقراطيين خلال العامين المتبقيين من حكم الرئيس الأميركي، بينما يطمح الجمهوريون لانتزاع الأغلبية في أي من المجلسين أو كليهما. بويفيلد أضاف أن السيناريو الثاني قد يؤدي إلى مواجهة تشريعية مع إدارة بايدن في ملفات كالاقتصاد والمُناخ والطاقة وتعميق حدة الاستقطاب السياسي، مشيراً إلى أن التاريخ يقف في صف الجمهوريين وكذلك استطلاعات الرأي حالياً حيث يواجه دائماً ما يواجه حزب الرئيس تحديا في الفوز بالانتخابات النصفية، وإذا سيطر الجمهوريون فسيكون بايدن خامس رئيس على التوالي يرى حزبه يخسر أحد المجلسين أو كليهما في عهده.
وأوضح أن الاقتصاد هو البوصلة التي تحدد بشكل كبير اتجاه الناخبين في ظل انتقادات كبيرة توجّه لإدارة بايدن بعد أن وصل التضخم إلى أعلى مستوياته منذ 40 عاماً، بينما يدافع الديمقراطيون عما حققوه خلال عامين لاسيما في البنية التحتية ونمو قطاع الوظائف.
وأكد بويفيلد أن مَن يسيطر على أي من المجلسين أو كليهما يسيطر على البرنامج السياسي، وأن قدرة الرئيس على إنجاز خططه لها علاقة في ما إذا كان حزبه يملك السيطرة على الكونغرس أم لا.
لذا وانطلاقاً من كل ما ذُكر، يمكن القول إن الانتخابات النصفية قد تؤدي في حال فوز الجمهوريين الى شلّ قسم كبير من سياسات واستراتيجيات إدارة بايدن الديمقراطية، وفي طليعتها سياسة البيت الأبيض في منطقة الشرق الأوسط حيث من المعروف أن الجمهوريين يقفون ضد الاتفاق النووي مع إيران، معتبرين أن الحلفاء العرب والخليجيين هم في أساس مصالح الولايات المتحدة الأميركية التاريخية لا إيران ولا نظام الملالي الديني التيوقراطي.
كما أن فوز الجمهوريين سيؤدي الى عرقلة دعم واشنطن لأوكرانيا وسيؤثر ذلك أيضاً على قوة حلف الناتو خاصة اذا ما تبنّى الجمهوريون خط الرئيس السابق دونالد ترامب الرافض للناتو والمقرّب من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فيما يبدو أن ثمة تفاهمات قد تحصل في الكونغرس بين الديمقراطيين والجمهوريين من أجل استمرار الدعم لأوكرانيا مالياً، في مقابل سعي أميركي بضغط جمهوري الى وقف الحرب والعمل على إعداد طاولة تفاوض بين روسيا وأوكرانيا بمشاركةٍ أوروبية لحل مسألة الحرب.
لذا يبدو أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يعد حالياً العدّة لاستمرار الحرب في أوكرانيا الى العام 2023 ريثما يتمكن النهج الأميركي الجديد، في حال فوز الجمهوريين، من سلوك طريق تغيير سياسة الديمقراطيين الحالية، كما أن فوز الجمهوريين في الانتخابات النصفية سيعني حتماً العمل على خوض الانتخابات الرئاسية المقبلة التي ستبدو بدورها مفصلية في ظل التحديات العالمية التي تعيشها الدول من أقصى الشرق الى أقصى الغرب، وقد تأتي عودة الجمهوريين الى البيت الأبيض على وقع احتدام الصراع الدولي ما قد لا يترك كثيرا للجمهوريين لتغييره في وقت قصير، لاسيما وأن الخطوط الأساسية للاتفاقات والالتزامات التي تمس الأمن القومي الأميركي لا يمكن تغييرها بشطبة قلم كما يقال بحيث أن الثوابت العميقة للاسترايجية الأميركية لن تتغير كثيراً بموضوع الصين فيما قد تتغير في موضوع كوريا الشمالية على غرار محاولات الرئيس السابق دونالد ترامب الاتفاق مع بيونغ يانغ أثناء ولايته.
الديمقراطيون في لحظة حرجة من ولايتهم، والرئيس جو بايدن وبقدر ما يعمل على ضمان فوز حزبه في النصفية بقدر ما يسعى الى طمأنة حلفاء واشنطن من أي تغيير في السياسة الأميركية الخارجية إزاء الملفات الساخنة كما في أوكرانيا أو تايوان وإيران، في وقت عودة بنيامين نتانياهو الى حكم إسرائيل تؤشر الى عودة حلفاء الجمهوريين في إسرائيل وبالتالي تشجيع مسار التطبيع العربي- الإسرائيلي بالتوازي مع مسار تسوية للقضية الفلسطينية ستربط الضفة بالأردن والقطاع بمصر رداً على محاولات إيران وأتباعها تحويل الضفة الى غزة ثانية.