منطق كنيسة سيدة النجاة في قضية باسكال سليمان

“إنهم منهمكون في الحفر عميقاً تحت القوات اللبنانية لتحويلها شراذم وفتافيت، وأحذر من تمادي الأجهزة في اعتداءاتها. كنيسة سيدة النجاة أخرى لن تمر”.

الرئيس السابق العماد ميشال عون في 27 نيسان 2001

مع مرور ثلاثين عام ونيف على تفجير كنيسة سيدة النجاة وما تلاه من تداعيات على اللبنانيين عامة والمسيحيين خاصة والقواتيين بشكل أخصّ ما زالت
فلول النظام الأمني السوري اللبناني وورثته في محور الممانعة وودائع المحور في السلطة الاستنسابية الانتقائية منهمكة “في الحفر عميقا تحت القوات” استهدافا وتخوينا فبركات واتهامات.

ما زال نموذج التعاطي مع تفجير كنيسة سيدة النجاة ماثلا في الأذهان كشاهد على الخلل الجسيم في الانتظام العام يتجسد بشكل سافر في عدم انتظام العدالة وتدخل السلطة السياسية في القضاء وامتثال هذا الأخير للسلطات السياسية لا بل الأمنية وليس العكس.

يستعيد اللبنانيون وليس فقط المسيحيين هذه الحقبة من تاريخ الوصاية والاحتلال عند كل محطة امنية شبيهة بالتركيب والتزوير والفبركة والتمييع اذ ان “إن منطق سيدة النجاة لا يزال يتحكم بعقول البعض” على ما أعلنه النائب وائل ابو فاعور في 8 تموز من العام 2019 امام محاولة تكرار تجربة “الزوق” 1994 في بشامون واعادة مشهد نيسان 1994 في غدراس في المختارة.

لأن “منطق سيدة النجاة ما زال يتحكم بعقول البعض” حاول ورثة النظام الأمني السوري اللبناني الحفر عميقا تحت القوات في 14 تشرين الأول 2021 بعد حادثة الطيونة باعتماد منطق سيدة النجاة بتسخير القضاء او بعضه وتكرار مشهد غدراس 21 نيسان 1994 في معراب 2021

لا بد من التنويه هنا ان القضاء والأمن قبيل تفجير الكنيسة كان لديهما معطيات ومعلومات لو لم يسقطها المعنيون ولو تعمقوا وتوسعوا بها لما كان تركيب ولا فبركة ولا حتى تفجير إذ ذكر مدعي عام جبل لبنان القاضي طربيه رحمة يوم تفجير الكنيسة في 27 شباط 1994 انه“لدى الأجهزة المختصة علماً بوجود مخطط لتفجير أماكن العبادة استناداً إلى اعترافات بعض الموقوفين لدى القضاء” والموقوفين هم: جولان ضيا ومكرم مرسي علي اللذين كشفا عن مخطط لحزب الله لتفجير الكنائس، ليعود القرار الظني في تفجير الكنيسة ليبرئهما ويخرجهما من الملف دون “التعمّق” والتوسّع في التحقيق معهما.

لا بد من التنويه أيضا ان كل المعطيات والادلة الثبوتية والجنائية في حادثة الطيونة خلصت الى عدم مسؤولية القوات والقواتيين كحزب او قيادة او افراد عن قتل اي من القتلى المدججين المجتاحين لمنطقة عين الرمانة الا ان الملف ما زال معلقا بمذكرات توقيف لم تسترد على اساس “منطق سيدة النجاة الذي ما زال يحكم ويتحكم بعقول البعض”

اليوم شهدنا ونشهد، سمعنا ونسمع من لحظة الكشف عن اختطاف منسق منطقة جبيل في القوات اللبنانية باسكال سليمان وحتى الاعلان عن مقتله شهيدا روايات وسرديات وخبريات واكبتها حملات وتركيبات وفبركات واتهامات “تحفر عميقا تحت القوات” تهدف الى “سيدة نجاة ثانية”، وبمنطقها “الذي ما زال يتحكم بعقول البعض” اصر المفبركون او أصحاب الرواية الرسمية-الصفراء على روايتهم كخلاصة حكم مبرم لا تحقيقا اوليا مع موقوفين يحتاج الى تعمق وتوسع تماما كما حصل مع الموقوفَين المذكورَين ضيا ومرسي في قضية سيدة النجاة.

الشبه بين مشهدي “كنيسة سيدة النجاة” واغتيال باسكال سليمان برز في ادانة القوات بتهمة لم ترتكبها في الحالتين حتى ان الجرم لم يتوفر اصلا ؛ففي الأول اتهمت القوات بالتصريح والسعي والعمل ل”الحكم الذاتي” والانقلاب على الدولة وهذا ما لم يثبت في اي مرحلة من مراحل التحقيق والمحاكمة والحكم. في المشهد الثاني اتهمت القوات ومسؤولوها بالتصريح والسعي للفتنة الطائفية والمذهبية والحرب الاهلية وهذا ما لم تسجله او تذكره اي من الوسائل الاعلامية المكتوبة والمرئية والمسموعة والالكترونية.

شهدت بكركي المشهد نفسه في العام 2024 مع البطريرك مار بشارة بطرس الراعي ما شهدته في العام 1994 مع البطريرك الراحل مار نصرالله بطرس صفير عبر زيارات كل رؤساء الأجهزة الأمنية والعسكرية بهدف الترويج للرواية الأولية وتصديقها والتصديق عليها حتى قبل انتهاء التحقيقات او التوسع والتعمق بها وقبل صدور القرار الاتهامي والاحكام القضائية.

على ما تقدّم كما في تفجير الكنيسة كذلك في اغتيال باسكال سليمان “ما زالوا منهمكين بالحفر تحت القوات” على ما قال وقام به ميشال عون …

عن هذا الاستهداف الدائم والهدف تحدث البطريرك الراحل صفير في مذكراته: “في الأساس، جعجع كان الهدف لدى السوريين و”العقبة” التي كانت تعترض طريقهم للسيطرة الكاملة على لبنان، فبوجود جعجع وقوّاته اللبنانيّة عجز السوريون عن السيطرة على المسيحيين، لذا وبعد تشاور “السوري” مع عملائه المسيحيين في الداخل كان الخيار الوحيد هو اعتقاله، كون اغتياله سيُشكّل لهم مشكلة أكبر مع المسيحيين، بسبب أنَّ التنظيم القوّاتي كان قادراً على المواجهة رغم تسليم السّلاح”…أرادوا أن يُعرقلوا أيّ محاولة إلتفاف مسيحي حول اعتقال جعجع ومنع خلق قضية من ذلك، فقاموا عبر رموزهم الأمنية بتفجير كنيسة سيدة النجاة وبشنّ حملة إعلاميّة مركّزة وبإطلاق سلسلة شائعات واسعة بحقّ جعجع، وكان ما كان”.

ورجاءً وسعياً للحقيقة الشفافة نقول مع الكتاب المقدس
“ما مِن خَفِيٍّ إِلاَّ سَيُظهَر، ولا مِن مَكتومٍ إلَّا سَيُعلَمُ ويُعْلَن”

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: