ننعى إليكم دولة، ونزفّ إليكم مقاومة على طريق لبنان.
في هذه الأوقات العصيبة المليئة بالتحدّيات، تتأرجح المشاعر بين الغضب، الألم، والأمل، ما يشير إلى عمق الأزمة التي تعصف بالكيان اللبناني ومؤسّساته. نشعر بغضبٍ شديد تجاه اللّا عدالة التي تنخر أُسس العدل والمساواة، وعيش حزناً عميقاً على فقدان الدولة التي كانت يوماً ملاذاً وحُصناً لأبنائها، فيما نحمل أملًا في غدٍ أفضل من خلال الإيمان بِقوى تسعى لجمع ما تبقّى من أشلاء الدولة.
يتملّكنا الغضب عندما نشهد سقوط شهيد جديد على طريق لبنان، شهيد ينضمّ إلى قافلة من الشهداء الذين قضوا ليس بسبب خطأ اقترفوه، بل بسبب إيمانهم الراسخ بِوطن يعلو فوق الجميع، وطن من المفترض أن يكون ملاذاً وحماية لأبنائه. كلّ زهرة تذبل على هذا الطريق تزرع في قلوبنا بذور الغضب تجاه اللّا عدالة التي تفتك بالأبرياء، تاركةً وراءها سراباً من الآمال المحطّمة.
ننظر بأسى إلى ما آلت إليه حال الدولة، تلك الدولة التي كانت حتى الأمس القريب مصدراً للفخر والأمل، والتي تحوّلت الآن إلى ظلّ باهت. هذا الحزن ليس فقط لفقدان البنية التحتيّة وتعب الناس، بل أيضاً لفقدان الروح التي كانت تنبض في مؤسّساتها ولو بالحدّ الأدنى، تلك الروح التي كانت تحتضن شبابها وشابّاتها، وتحميهم من المخطّطات الإجرامية التي تُحاك في الغرف المظلمة داخليّاً وخارجيّاً.
وفي خضمّ هذه الظلمة، يبرز خيط رفيع من الأمل. الأمل في قوّات لبنانيّة أثبتت بالأمس أنّها تحتضن الوطن، قوّات لا تزال تقاوم وترفض الاستسلام لمنطق القوّة والعنف. هذه القوّات تسعى لإعلاء شأن الوطن، متخطّية الجروح والآلام ليس من منطلق الضعف، بل من منطلق القوة والإيمان بلبنان. قوّات لبنانيّة لا تزال تقيم اعتباراً للشريك في الوطن وتؤمن بلبنان وطناً للجميع، موطناً للعيش المشترك والشراكة الحقيقيّة.
ليس لدينا ترف الاختيار، فالكفاح من أجل لبنان ليس فقط واجباً وطنيّاً بل غاية تتجاوز الزمان والمكان. الغضب الذي يُشعل قلوبنا ليس إلّا دليلاً على حُبّنا العميق وإيماننا بحقّنا في هذا الوطن للعيش بكرامة وعدالة، بينما الحزن الذي يخيّم علينا هو تعبير صادق عن ألم فقدان ما كان يمكن أن يكون ملاذنا وحصننا. الطريق لن يكون سهلاً، والوقت الآن ليس للنواح. إنّ التاريخ يُكتب بأيدي أولئك الذين يرفضون الاستسلام للظّلم، ممّن يجدون في أعماق اليأس شعلة أمل تقودهم إلى فجر جديد. وطننا، بكلّ تحدّياته وجراحه، لا يزال يستحقّ أن نكون جميعاً، مسلمين ومسيحيين، “شهداء على طريق لبنان”.