“لبنان تحت الاحتلال الإيراني، واجهوا السبب و ليس النتائج”، ارتأيت البدء بهذه اللازمة التي يكررها ويمررها الدكتور فارس سعيد في كل تغريدة تقريباً بقصد الأخذ بسرديته في الردّ على التسجيل المسرّب له الذي أكمل بالصوت هذه المرة الصورة المسرّبة في تلك المرة للقاء السياسي الضال (أو الضار) في جرد العاقورة والذي للصدفة أتى في توقيت متزامن مع مساعي رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل لنسج تحالفات انتخابية مناطقية بعيداً عن التوافقات السياسية، بحسب التوصيف الذي يعتمده باسيل “نخوض الإنتخابات في مقطورة واحدة ثم نغادر المحطة كل منا في طريقه”، وبناء عليه يصبح الشكّ مشروعاً في السياسة حول أهداف وترابط التسريبين حتى يثبت العكس.
ولنأخذ بسردية الدكتور فارس سعيد لضرورات البحث، فشخصياً أصدّق الدكتور سعيد بأنه لم يتصل بدولة الرئيس فؤاد السنيورة أو برئيس حزب الكتائب الشيخ سامي الجميل لإقناعهما بعدم المشاركة في لقاء معراب فالرجلان يملكان حيثيتهما ولا أعتقد أنهما ينتظران رأي وموقف الدكتور سعيد للبناء عليه ولديهما ظروفهما واعتباراتهما التي أملت عليهما عدم الحضور شخصياً مع التنويه بأن رئيس حزب الكتائب أوفد من يمثّله، لذا ومع احترام المقامات والأشخاص مطلوب من الدكتور فارس سعيد احترام اللياقات والأحجام والأدوار والتواضع قليلاً.
أما حديث النائب السابق فارس سعيد عن تقاطع شيعي، سنّي ودرزي على مقاطعة حزب مسيحي فلا يستقيم مع الواقع، فالعلاقات قائمة في المباشر وغير المباشر، في السر وفي العلن، القطيعة الوحيدة الفعلية هي بين القوات وحزب الله أحد طرفي الثنائي فيما التواصل قائم بشكل أو بآخر مع سائر المكونات، ومع التنويه بأن الوضع لن يستقيم في لبنان طالما هناك فريق مسلّح ومتهم بالعديد من جرائم الإغتيال، من المنصف القول بأن بعض من قاطعوا إنما فعلوا بدافع الخشية من تداعيات المشاركة على حريتهم وحركتهم وأمنهم من دون أن يعني ذلك رفض مضمون البيان الصادر ومطالبتهم بتطبيق القرار ١٧٠١ على طريقتهم ضمن هامش ضيق متاح لهم، وهؤلاء شجعان حرية تحت الإحتلال.
وأوافق طبعاً بأن الحديث عن مسؤولية سعيد عن عدم حضور بعض الشخصيات هو مزحة، ومزحة سمجة أيضاً لم أسمعها من أي قواتي، جلّ ما سمعته بما يتعلّق بالدكتور سعيد هو أنه تلقّى دعوة للحضور ولم يحضر من دون أن يتهمه أحد بهذه الحيثية والقدرة على التأثير وأجزم ببراءته، زيارة معراب ليست نزهة ولا تتخللها “صدفة” بل مقصد سياسي وسيادي لأصحاب الإرادات الصلبة لا يناسب ذوي القلوب الضعيفة والمراهقين في السياسة. أما كلام الدكتور فارس في كلامه عن الجو المسيحي العام والذي نسبه للقوات بأنه “ما بقا ينعاش مع المسلمين” فهذا افتراء لم يصدر على لسان أي مسؤول قواتي ومسألة “ما بيشبهونا” هي مسلّة طالت ونعرت كل من يعتمد التخريب والغوغائية، مسلمين ومسيحيين وملحدين و “كشتبانجيي” ومروحتها واسعة تشمل حتى بعض السياسيين.
ربما يستطيع الدكتور سعيد أن يقول ما يشاء وتضمين كلامه نسبة كبيرة من كابتاغون التجنّي والإثارة ولكن اتهام القوات بما لم تقله ولم تفعله حتى في زمن الحرب فهذا يستوجب من الدكتور سعيد أدلة على كلامه أو التراجع عنه والإعتذار.
أما مسألة عبور المتحف، فرئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع يجد صعوبة أمنياً في عبور المتحف وزيارة زحلة والإنتقال إلى بشري وممارسة رياضة المشي في جرد العاقورة، فهنيئاً لمن يملك هذا الترف، أما العبور السياسي فمفتوح على مصراعيه لملائكته من المتحف إلى كافة القرى والبلدات والمدن، ومتى توجّب على “الحكيم” العبور شخصياً لن يتأخر ولن يتردد لما فيه مصلحة لبنان لمعالجة سبب الأزمات الذي يمثّله الإحتلال الإيراني، وحتى ذلك الحين لن يتوقف الدكتور جعجع عن معالجة وحصر النتائج ومنع تفاقمها، فحدود مسؤولية “الحكيم” تجاه بلده وشعبه ومجتمعه تختلف عن حدود مسؤولية سعيد.