الأبعاد الجيو سياسية لتعيين سفيرٍ سعودي جديد في دمشق: نظامُ الأسد تحت المِجهر الخليجي

سعودية-سوريا

سبقَ لنا أن قلنا في أكثر من مقالٍ إن المرحلة المقبلة في سوريا هي مرحلة استكمال المبادرة العربية باتجاه الحلّ السياسي الذي أكّدت عليه مجدّداً قمّةُ البحرين منذ أيام.

  • العرب وغياب البديل المعارض للرئيس الأسد

خطوة الرياض بتعيين فيصل المجفل سفيراً لها في دمشق تأتي من ضمن هذا التوجّه العربي، فالعرب كما سبقَ وكتبنا مراتٍ عدة وجدوا أنفسهم، في غياب البديل المعارِض للرئيس السوري بشار الأسد، مضطرّين للتعاطي معه وقد فشلت المعارضة السورية فشلاً ذريعاً في تقديم بديلٍ قادرٍ وناضجٍ لحكم سوريا، فما كان من العرب إلا وأن اضطرّوا مكرهين على التعاطي مع الأسد في قمّة جُدّة ومن ثمّ في قمّة المنامة مؤخراً، وما بينهما من خلال لجنة اﻻتصالات العربية والمبادرات الأردنية والإماراتية وسواها من محطات ومرجعيات.

  • الأسد وتكتيك “الخطوة بخطوة

نذكر بأن الأهداف الأساسية للعرب والخليجيين تحديداً، الى جانب مصر والأردن، لطالما كانت ومنذ انطلاق اللقاءات التشاورية وإعادة المقعد في الجامعة العربية الى سوريا في ظل التمييز الدائم بين النظام ودولة سوريا، محاولة إعادة النظام الى الحضن العربي وانتشاله من براثن التبعية لإيران وروسيا، فنظام الأسد وضِعَ تحت اﻻختبار الحقيقي والتجربة العربية منذ تبنّي دولة الإمارات للانفتاح عليه ومن ثمّ الأردن والآن المملكة العربية السعودية، وهذا اﻻختبار هو الأخير الذي تلقّفه الأسد قبل فوات الآوان، وقد كان صمته في قمّة البحرين أبلغَ تعبيرٍ عن حجم ما وصل اليه من الجانب العربي، وعن حجم المتوقَّع منه انطلاقاً من تكتيك “الخطوة بخطوة”، وصولاً الى تنفيذ البنود التي أُبلغ بها في المنامة، والتي تودي بنهايتها الى تنفيذ القرار الأممي 2254 ومقرّرات جامعة الدول العربية والقمم الأخيرة.

  • نظام الأسد تحت المِجهر السعودي

الرياض بخطوتها هذه تضع نظام الأسد تحت المِجهر، وقد لوحظ أنه في الفترة الأخيرة كانت ثمّة تطورات وتحوّلات في مواقف النظام السوري تجاه سلسلةٍ من المعطيات كمثل الإحجام عن التدخّل في حرب غزّة وعن التصدّي للهجمات الإسرائيلية على أهداف إيرانية في سوريا، وكمثال توتّرُ العلاقات بينه وبين الإيرانيين في الآونة الأخيرة على خلفية التشكيك الإيراني بضلوع جماعة النظام في تسليم إحداثيات التواجد الإيراني المهم للحرس الثوري وقياداته في سوريا، خصوصاً في حادثة قصف المبنى القنصلي الإيراني في دمشق منذ مدة.
الأسد أرسلَ إشارات للعرب والخليجيين، وقد يكون هذا جزءٌ من تفسير تفضيل عدم الكلام خلال القمة الأخيرة في البحرين باعتبار مآلات وضعه مع الإيرانيين والتي تستوجب الحذر في التعبير سلباً أم إيجاباً، وقد تبعَ سكوته هذا الأخبار المريبة في توقيتها ومضامينها حول مرض زوجة الأسد السيدة أسماء الخطير، وإعلان الرئاسة السورية اعتزالها العمل العام والسياسي لفترة طويلة بحكم طبيعة المرض المُعلَن، كلها إشارات تدّل على تحوّلات ما تحصلُ في موقف النظام السوري من شأنها أن تخدم العرب والخليجيين في هذه اللحظة التاريخية قد لا تتكرّر لمنع سقوط الأسد ومعه الدولة السورية بيد الإيرانيين.

  • فشل المعارضة السورية في تقديم “البديل الجاهز”

من الإيجابيات التي سجّلها النظام السوري، والتي شجّعت العرب على عودة اﻻنفتاح وعلى رأسهم الرياض بلوغ التوتّر الأسدي – الإيراني حدَّ مقاطعة الأسد العزاء بالرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، وبدء أوساطه وإعلامه برمي كل ما حصل من فظاعات في سوريا على ظهر الإيرانيين في أخبار وتقارير لا تظهر الى العلن ولا يتمُّ حتى الآن إعلام الرأي العام بها، من هنا فإن تعيين السعودية سفيراً لها في دمشق جاء غداة اللقاء الثنائي الذي عُقدَ على هامش قمّة المنامة الأخيرة بين ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ورئيس النظام السوري بشار الأسد، ومما ﻻ شكَّ فيه أن مشروعية النظام ﻻ تُعطى من التعامل الخارجي فقط بل من إرادة الداخل أيضاً، وبالتالي فلا شرعية لنظام الأسد في سوريا وسط السوريين، ولعّل المعارضة لا بل المعارضات اليوم عليها أن تلوم نفسها أولاً على ما آلت إليه الأوضاع مع النظام من عودة العلاقات الديبلوماسية واﻻنفتاح العربي- الخليجي عليه، وقد عجزت تلك المعارضات عن التوحّد و تقديم بديلٍ جاهز للحكم ما كان سهّلَ للعرب والخليجيين الكثير من التضحيات التي تجدهم اليوم يقدمونها للدولة السورية.

  • محاولة إقصاء طهران عن الإمساك بالورقة السورية البيان الختامي لقمّة البحرين الأخيرة أكّد على الحلّ السياسي في سوريا وفق القرار 2254، والسعودية كانت قد وافقت على تأجيل اجتماع لجنة اﻻتصال العربية في بغداد بطلب إردني، انطلاقاً من الإعداد لخطواتٍ بحجم خطوة تعيين سفير في دمشق للمزيد من الضغوط على الأسد ونظامه في لحظة التوتّرات بين النظام والإيرانيين، ومن هنا فإن الذي جرى من تعيين لسفير سعودي في دمشق لا يعدو كونه محاولة لمعرفة ما الذي يحدث في الداخل السوري من خلال “العين الديبلوماسية العربية” والخليجية الموجودة على الأراضي السورية وليس فقط بالعين الخارجية، وهي محاولة لإعادة سوريا الى الحاضنة العربية فوجود سفراء عرب في دمشق لا يمكن تفسيره أبداً على أنه دعمٌ وتأييدٌ للنظام وﻻقترافاته الفظيعة بحق شعبه وبلده، بل محاولة عربية- خليجية- سعودية لملء الفراغ الذي كانت ولا تزال تحتله الميليشيات الإيرانية من خلال إمساكها بالورقة السورية واستفرادها بها.
  • حضور دبلوماسي عربي مقابل هيمنة إيرانية على دمشق

الوجود الديبلوماسي العربي في قلب دمشق وقلب سوريا يعيدُ شيئاً من التوازن في مواجهة الثقل الإيراني والميلشياوي الذي يتحكّمُ بسوريا بمفرده من دون رادعٍ وﻻ وازعٍ، وقد أدركَ العرب أن إثنتي عشر عاماً من التباعد والجفاء قد تكون سهّلت إرتماء الأسد في الحضن الإيراني وأسهمت بتوغّل طهران في كافة مفاصل الحياة السورية والحكم فيها، ويكون الآوان قد حان بعد الضربة القوية التي تعرّضت لها طهران باغتيال الرئيس رئيسي ووزير الخارجية عبد اللهيان وتضعضع الوضع السياسي للنظام في ظل اندلاع الصراع الشديد على الخلافة، سواء في المرشدية العامة أو في رئاسة الجمهورية الإيرانية، فطهران تمارسُ راهناً ضغوطاً كبيرة على الأسد، وقد توقّفت عن مدّه بالوقود والأموال، ما سيُسهم في ابتعاده عن طهران الى حدٍ ما، لكن يبقى السؤال الكبير : في ضوء المحاولات الماضية والتجارب السابقة مع الأسد مَن يضمنُ أن ﻻ يكون الأخير قد دخلَ حلقةً جديدة من حلقات المراوغة والمناورة التي سرعان ما يخرج منها منقلباً على العرب والخليجيين كما انقلب سابقاً على مبادراتهم؟!

من هنا، يجب أﻻ ينسى الأخوة العرب والخليجيين والسعوديين تحديداً أن مسألة ارتماء الأسد في الأحضان الإيرانية ليست وليدة اليوم، فوالده حافظ الأسد ومنذ قيام الثورة الإيرانية في سبعينيات القرن الماضي لعِبَ الورقة الإيرانية وتخلّى عن عروبته، ليستكمل الأسد الإبن خطَّ أبيه من دون أن يبتكرَ شيئاً، من هنا فإن الأخير لم يرتمِ بالتالي في الحضن الإيراني حديثاً بل في إطار خياراته الجيو سياسية واستراتيجية عامة عن قناعة وليس عن تكتيك، فيما الأساس يبقى أن يقبل بشار بأي حلٍّ وبداية ورقة تبقيه على رأس الحكم، فهل تنجح المحاولة السعودية حالياً حيث فشلت المبادرات العربية السابقة؟

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: