كتب جورج أبو صعب: التأخير الحاصل في ردّ إسرائيل على هجمات إيران الأخيرة عليها لم يعد تكيتكياً بل أصبح استراتيجياً بامتياز، إذ يبدو أن إدارة الرئيس جو بايدن باتت قاب قوسين أو أدنى من الموافقة على قيام إسرائيل بضرب البرنامج النووي الإيراني بعدما كان هذا البرنامج خطاً أحمرَ أميركياً لأكثر من اعتبارٍ سبقَ لنا أن عرضناهم في مقالات سابقة، فما الذي تغيّرَ في الموقف الأميركي من الملف النووي؟!
اقتراب واشنطن من إعطاء الضوء الأخضر لتل أبيب مردّه الى التيقّن بأن الظروف الحالية المحيطة بالوضع الإقليمي حول إيران تعطي إسرائيل، ولا سيما رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو فرصةً ذهبيةً للذهاب الى النهاية في ضرب مراكز القوة الإيرانية في المنطقة، وأهمها أذرعها وبرنامجها النووي، فبنيامين نتنياهو لم يعد يكتفي بالقليل، بل صار يريد الذهاب في مغامراته الى حدّ تغيير وجه الشرق الأوسط لمرةٍ نهائيةٍ، فالفرصة السانحة أمامه على مساحة الشرق الأوسط لن تتكرّر ثانيةً، وبالتالي وبدَلَ الاكتفاء بالتفاوض على وقف إطلاق نار من هنا وتبادل أسرى من هناك، قرّرَ وحكومته الذهاب الى ما هو أبعد من ذلك، فمارسَ ضغطاً كبيراً مع الدولة العميقة في الولايات المتحدة الأميركية لإقناع إدارة الرئيس جو بايدن بضرورة اقتناص الفرصة السانحة تلك للذهاب الى حدّ ضرب البرنامج النووي الإيراني.
ومِما ساعدَ على ما يبدو إسرائيل وحلفاءها في الدولة العميقة في واشنطن على إقناع الجزء الأكبر حتى الآن من إدارة الرئيس بايدن بالتهديد الإيراني الذي وصل الى دول الخليج من مغبّة ضرب المصالح الأميركية ومصافي النفط وممراته، ما سيؤدي حتماً الى أزمةٍ نفطيةٍ اقتصاديةٍ عالميةٍ خطيرة جداً (مع أن بإمكان المملكة العربية السعودية لوحدها في مثل هذه الحالة مضاعفة إنتاجها للنفط ثلاث مرات أكثر ولمدة سنتين متتاليتين لإغراق الأسواق) لا تقبلُ بها واشنطن ولا يمكنها التهاون مع منعها من الدفاع عن مصالحها في الشرق الأوسط إن هي تعرّضت لهجومٍ في قواعدها العسكرية المتمركزة في دول الخليج، الأمر الذي ساهمَ مساهمةً مباشرةً في تكوين القناعة حتى داخل الحزب الديمقراطي بضرورة تلقين الإيرانيين درساً حاسماً حازماً، فالأوان قد حان بعد عقودٍ من الزمن تُركت إيران خلالها مع ملفها النووي على الحياد، وبعد فشل الجهود الديبلوماسية والسياسية مع بعض الإدارات الأميركية السابقة والحالية لتخطّي “عتبة ” ضرب البرنامج النووي الإيراني أو المفاعل الرئيسي له.
من هنا، يمكن فهم أسباب التأخر الإسرائيلي في الردّ على إيران، إذ بين واشنطن وتل أبيب يدورُ نقاشٌ حادٌ وجادٌ وكبيرٌ حول خيارات ضرب النووي الإيراني، وقد بات الأمر مطروحاً بقوةٍ لدى مراكز القرار الأميركي، وما يساعدَ أيضاً في انتهاج طريق ضرب النووي الإيراني حماسة الديمقراطيين في طلب استثمار “هذه الفرصة السانحة ” لتعزيز الموقف الانتخابي للحزب وقطع الطريق أمام المرشح الجمهوري دونالد ترامب، فإذا تمكّنت إدارة بايدن من ضرب إيران يصبح الفضل في تدمير البرنامج النووي الإيراني للديمقراطيين لا الجمهوريين.
إسرائيل في نقاشٍ قوي مع الولايات المتحدة إذاً حول ضرب البرنامج النووي الإيراني، فالوقت أيضاً ليس لصالح إسرائيل إن تركت إيران تمتلكُ القنبلة النووية وهي لم تصل اليها بعد، وبالتالي فإن الظرف الحالي هو أفضلُ توقيتٍ لقطع الخطر الإيراني عنها، وما التأخير في الردّ الإسرائيلي سوى لاستكمال العدّة والتجهيزات … وبعض التوضيحات بين واشنطن وتل أبيب …
الصين وروسيا من جهتهما يراهنان على ضعف إدارة بايدن وتردّدها، وهما تراهنان على تكرار تجربة كوريا الشمالية التي لم تصبح دولة نووية الا بسبب الضعف الغربي والتردّد الأميركي، ويسعيان لامتلاك إيران القنبلة النووية لتشكيل حلقة توازن إقليمي مع أميركا وحليفتها إسرائيل، لكن يبدو أن إدارة بايدن بدأت تخرج حالياً من تردّدها إزاء البرنامج النووي الإيراني لاعتباراتٍ إنتخابيةٍ بالدرجة الأولى، فتلعب إزاء إيران اللعبة المزدوجة التي تجعلها بمنأى عن اتهامها بضرب البرنامج النووي في نفس الوقت التي تغطي فيه الهجوم الإسرائيلي عليه.
واشنطن بدأت بفرض عقوباتٍ جديدة على كيانات إيرانية أو قريبة من إيران، وفي آخر المعلومات أن 16 كياناً و23 سفينة إيرانية باتوا بمرمى العقوبات الأميركية … فالضغط الأميركي على إيران يزداد كلما ازداد ضغط تل أبيب على واشنطن، وكلما ازداد الضغط الإيراني على دول الخليج وحلفاء واشنطن في المنطقة …فالنووي الإيراني بات “الشعرة الوحيدة” المتبقّية والتي قد تُقطع بين واشنطن وإيران بضغطٍ إسرائيلي، فهل يصمدُ عندها النظام الإيراني؟!