يزور الرئيس الصيني شي جين بينغ المملكة العربية السعودية الأسبوع المقبل بناءً لدعوة رسمية تلقاها من الرياض، حيث من المتوقّع أن يقام له استقبال حافل يشابه الحفل الذي أُقيم لاستقبال الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب خلال زيارته للسعودية.
وبحسب صحيفة ذي غارديان البريطانية سوف يتناقض الإستقبال الودي الذي يجري تحضيره للزعيم الصيني بشكل واضح مع الإستقبال السعودي “الفاتر” للرئيس الأميركي جو بايدن في شهر حزيران الماضي، ترجمةً للعلاقات المتوترة بين البلدين والنفور الشخصي بين بايدن وولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
الزيارة تندرج في إطار الردّ السعودي والخليجي والعربي على ما تعتبره الرياض “غدراً أميركياً” بها، إذ بعد أن وافقت المملكة على زيادةٍ ولو رمزية لإنتاج النفط بناءً لطلب أميركي، عادت واشنطن وتفاوضت مع إيران على الملف النووي، ما أغضب المملكة فأرادت رد الصاع صاعين من خلال دعوة الزعيم الصيني الى زيارة المملكة، لاسيما وأن للرياض رغبة صادقة في تعزيز العلاقات مع بكين وتقوية التحالف بين البلدين.
والمعلوم أن الصين هي أكبر شريك تجاري للسعودية، وأكبر شارٍ للنفط السعودي، وهي دولة مهمة جداً في المنطقة من الناحية الجيو سياسية، فضلاً عن كونها تتطلع إلى إنشاء قواعد عسكرية في أفريقيا وأماكن أخرى من العالم.
الصين لم تكن تهتم إلا بمصالحها التجارية في السابق، مركّزة بالكامل على التجارة، أما الآن فإن نظرتها للأمور باتت تُعنى أكثر بالبعد الاستراتيجي، خصوصاً بعد تزايد التحديات الأميركية لها ولنفوذها الإقليمي في أقصى شرق آسيا كما في تايوان، وهي تحاول راهناً ملء الفراغ الإقليمي الناتج عن تراجع الاهتمام الأميركي بالمنطقة، وتدهور نفوذها رغم كلام الرئيس الأميركي بايدن عن أن واشنطن لن تدع أحداً يملأ المكان، علماً بأن زيارة بايدن في حزيران الماضي لم تسفر عن كثير من الإنجازات، وقد فشلت في إقناع الرياض بتعزيز إمدادات النفط، وهي الخطوة التي كان من شأنها أن تساعد في خفض أسعار الوقود في الولايات المتحدة قبيل انتخابات التجديد النصفي المقرّرة في الثامن من شهر تشرين الثاني المقبل.
الرئيس الصيني شي يعتبر بأن الأوضاع الدولية والإقليمية تمر بتغيّرات عميقة ومعقدة، مما يسلط الضوء بشكل أكبر على الأهمية الاستراتيجية والشاملة للعلاقات الصينية السعودية، وقد ذكر أنه “يتعيّن على الصين والمملكة العربية السعودية تعزيز التضامن وممارسة التعددية الحقيقية، وحماية النظام الدولي الذي تمثل الأمم المتحدة نواته، والنظام المرتكز الى القانون الدولي، والأعراف الأساسية للعلاقات الدولية المرتكزة الى مقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، ودعم الإنصاف والعدالة الدوليين، فضلاً عن المصالح المشتركة للدول النامية”.
أما المملكة فتعتبر أن سياستها الإقليمية والدولية المرتكزة الى الندية في التعامل مع الدول العربية والخليجية هي التي ينبغي بعد اليوم أن تضمن انفتاح العرب والخليجيين على كل العلاقات الدولية التي تضمن مصالحهم، “فالسعودية إستردَّت عنفوانها” على حد قول أحد المسؤولين السعوديين من حيث التعامل مع الأصدقاء على قدم المساواة، “فالأصدقاء الحقيقيون لا يأتون إلى هنا ليطالبوا بما يريدون ولا يُعطون شيئاً في مقابل ذلك على حد قول المسؤول المذكور”.
منذ أيام وفي تقرير حصري لوكالة رويترز، ذُكر دور المملكة في إسقاط أوبك+ لبيانات وكالة الطاقة الدولية كمرجع يُعتمد عليه عند اتخاذ قرارات بشأن الإنتاج، بما يشبه فصلاً من فصول الحرب الباردة بين إدارة الرئيس جو بايدن وولي العهد والحاكم الفعلي للسعودية الأمير محمد بن سلمان.
هذا وكشفت صحيفة وول ستريت جورنال في 19 نيسان الماضي عن لقاء ولي العهد السعودي بمستشار الأمن القومي الأميركي جاك سوليفان، “بالشورت” في سبتمبر/أيلول الماضي، حيث واجه الأمير ضيفه بنبرة عالية حين أثار معه موضوع قتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي، بأن أبلغه أنه لا يريد مناقشة هذا الموضوع مرة أخرى.
الإشكالية الأساسية بين واشنطن والرياض تكمن في أن الرئيس بايدن لم يستوعب بعد أنه يتعامل مع زعيم السعودية وحاكمها الفعلي وملكها المستقبلي، في حين أن
واشنطن لا تنظر حالياً بعين الإرتياح لزيارة الرئيس الصيني للمملكة العربية السعودية، وقد عبّر مبعوث الرئيس بايدن الى اليمن تيم ليندركينغ عن موقف أميركي من الزيارة فيه مزيج من التبسيط بحيث اعتبر أن المملكة العربية السعودية هي دولة كبرى ومهمة، ومن الطبيعي أن تزورها القوى العالمية الكبرى، و التشديد على أن تلك الزيارة لا يمكنها أن تمحو آثار أهمية زيارة الرئيس بايدن للرياض ومفاعيلها مؤخراً.
لكن يبقى أن الحديث عن العلاقات السعودية- الصينية ليس إبن ساعته ولا هو منوط باستراتيجيات دولية وإقليمية مستجدة في العقدين الأخيرين، إذ ومن خلال مراجعة تاريخ العلاقات الثنائية يمكن ملاحظة أن العلاقات السعودية- الصينية كانت ولا تزال في تطور متواصل منذ 80 عاماً، وذلك حين قررت الرياض في العام 1939 التمهيد لعلاقات سياسية قوية مع بكين. هذا القرار استغرق اتخاذه ستة أعوام قبل توقيع أول معاهدة صداقة بين البلدين في نوفمبر 1946 في جدّة.
وبعد تلك الإتفاقية، إستمرت العلاقات بين البلدين من خلال بدء عودة أول قوافل الحجاج الصينيين في نهاية السبعينيات من القرن الماضي، ومن ثم فتح طريق صادرات البضائع الصينية إلى السعودية في نهاية الثمانينيات، وعودة العلاقات الرسمية السياسية بين البلدين بشكل فاعل وقوي.
وبدأت العلاقات الدبلوماسية بين الصين والسعودية في عام 1990، وعلى مدى 32 عاماً الماضية، أحرز البلدان تقدماً كبيراً في العلاقات إنعكس أيضاً على التعاون الإقتصادي والتجاري والتبادلات الثقافية وتعزيز التواصل بشأن القضايا الدولية.
وفي الفترة ما بين عامي 1991 و1998، شهدت العلاقات بين البلدين تطوراً ملحوظاً تلخّص في 16 زيارة واتفاقيات تعاون رفيعة المستوى في مختلف المجالات، لتتوج بزيارة الملك عبد الله بن عبد العزيز حينما كان ولياً للعهد في عام 1998، واعتبرت تلك الزيارة الأعلى مستوى من ناحية الوفد الرسمي إلى الصين.
التبادل التجاري بين البلدين قفز من 3 مليارات دولار في العام 2000 إلى 67 مليار دولار في 2020،
وبلغت القيمة الإجمالية للمشاريع المتعَاقد عليها والتي أنجزتها الشركات الصينية في المملكة العربية السعودية في الفترة ما بين 2019 و2014 نحو 40 مليار دولار.
وترتبط المملكة العربية السعودية والصين بعلاقات قوية في مجال الطاقة، حيث تُعتبر الرياض أكبر شريك لبكين في منطقة الشرق الأوسط، إذ إنها المصدّر الأول للنفط إلى الصين متفوقة بذلك على روسيا، الجارة الشمالية والشريك الاستراتيجي لبكين.
وصدّرت السعودية ما معدله 1.8 مليون برميل يومياً في نوفمبر 2021، و بلغت صادراتها إلى الصين 1.67 مليون برميل يومياً بشكل مستقر.
هذا وتم تدشين أول مشاريع التعاون السعودي- الصيني في مبادرة “الحزام والطريق” عام 2019، وهو مشروع مصنع شركة “بان آسيا” الصينية للصناعات الأساسية والتحويلية في مدينة جازان جنوب غربي السعودية، وهو باكورة الأستثمار الصيني في هذه المنطقة على وجه التحديد، بقيمة 1.15 مليار دولار في مرحلته الأولى.
وهذا المشروع يثير حفيظة الأميركيين كما أنه يحرف مسار الطريق عن الخط الروسي، الأمر الذي سوف ينافس روسيا سعودياً في مرحلة لاحقة من تطبيقه.
وفي العام 1988، تم الإتفاق بين البلدين على تزويد الرياض بصواريخ من نوع “دونج فنج 3” الصينية متوسطة المدى، فاستمر بذلك التعاون العسكري بين البلدين خلال السنوات اللاحقة، حيث شهد عام 2006 زيارة الرئيس الصيني هو جينتاو للرياض، والتي نتجت عنها إتفاقية تعاون أمني بين الحكومتين السعودية والصينية، إضافة إلى التوقيع على عقد أنظمة دفاعية.
في العام 2017، تم التوقيع على إتفاقيات ثنائية بقيمة 65 مليار دولار في مجالات مختلفة، منها الإتفاق على الشراكة لتصنيع الطائرات المسيّرة.
الزيارة مهمة وتاريخية في لحظة الكباش الدولي الإقليمي ومفاعيله ستتوزع على أكثر من محور، بدءاً من محور أوروبا، وصولاً الى الشرق الأوسط، مروراً باستراتيجية البيت الأبيض حيال المنطقة، وستعيد خلط أوراق كثيرة لا سيما بين الحلفاء أنفسهم سواء في الغرب أو في الشرق، لا سيما إيران التي لطالما عوّلت على الإصطفاف الصيني الى جانبها إقليمياً ودولياً، فكيف ستكون تداعيات العلاقات الصينية- السعودية المتصاعدة والمترسخة أكثر فأكثر عليها وعلى وضعيتها داخل المعسكر الشرقي أولاً وفي المنطقة ثانياً ؟